الخمول الشتوي والرياضة تحت المطر
غيوم وصقيع وانجماد وكلٌ منا يبحث عن مكان للإستلقاء على إحدى الكنبات أو إحدى الأسرّة بالقرب من وسائل التدفئة المختلفة ، بانتظار قرارات رئيس الوزراء فيما يتعلق بالعطلة، نتيجة تساقط الثلوج أو الخوف من الإنجماد وما لذلك من عواقب مرورية جمة، فعلى الرغم من تطور سبل مقاومة التغيرات الجوية ، وتسلحنا بالخبز والمواد التموينية إلا أن تعاملنا مع فصل الشتاء يحتوي على أخطاء كثيرة .
وأنا ككاتب لهذا المقال أعيش في ألمانيا منذ عام 1978 ، وقد تعايشت مع ظروف جوية ثلجية أصعب بكثير مما نراه في بلادنا ، ولا أتذكر إلا بضعة أيام تم تعطيل العمل بها خلال الأربعين عاماً الماضية بسبب سوء الأحوال الجوية في ألمانيا ، فظاهرة العطلة بسبب الأحوال الجوية هي ظاهرة سلبية للمؤسسات الإقتصادية ولإنتاجية المواطن ولصحته ، فالبقاء في البيت يعني تزايد عدد وجبات الطعام والضغط النفسي الناتج عن تجمع أفراد العائلة جميعا في مساحة محدودة ، وعدم وجود برنامج محدد لقضاء الوقت بشكل مثمر، وبالتالي تزداد الأمور تعقيداً بازدياد التوتر بين أفراد العائلة .
ان ظاهرة الشعور بالكسل والخمول في فصل الشتاء ناتجة عن افراز هرمون يدعى الميلاتونين "Melatonin" المسؤول عن تنظيم الساعة البيولوجية لجسم الإنسان في الليل والنهار، والتي تتمثل بأوقات النوم والإستيقاظ ، لذا فهو يساعد جسم الإنسان على الحفاظ على النظام الطبيعي اليومي ، حيث يزداد إفراز هذا الهرمون في الليل والظلام، مما يسبب الإحساس بالخمول والنعاس ، ويحفز الرغبة بالخلود إلى النوم ، كما ويتوقف الجسم عن افرازه بالنهار، وبالتالي يساعد على الإستيقاظ وممارسة الأعمال والنشاطات المختلفة ، وكون أيام الشتاء معتمة فإن إفرازه يزداد . و هناك علماء استطاعوا اثبات أن هذا الهرمون يزداد إفرازه بداية شهر تشرين ثاني أي قبل بدء أيام البرد الشديد بعدة أسابيع ، وبالتالي فإن هذا الهرمون يشعرنا بالتعب والرغبة في النوم ، ويتم افرازه صيفاً أثناء المساء ليساعدنا على الخلود للنوم .
وللتغلب على الشعور بالكسل والخمول في فصل الشتاء ينصح العلماء باستغلال فترة شروق الشمس نهاراً في فصل الشتاء للتزود بفيتامين D والخروج لإستنشاق الهواء ، مما يبعدنا عن أجواء الملل ، كما وينصح بعدم النوم أكثر من 7 ساعات يومياً .
وعلينا أيضاً محاولة التكيف النفسي مع فصل الشتاء ، وذلك باستغلال الوقت في ممارسة الهوايات المختلفة وممارسة الرياضه لأن هذا بدوره يساعدنا على التخلص من الضغط النفسي الناتج عن كآبة فصل الشتاء ، كما وينصح بإنارة البيوت بشكل جيد في فصل الشتاء،والمحافظة على ما يسمى الريتموس أي التوازن ما بين ساعات الإستيقاظ و النوم ، مما يبعد تعلق الجسم بالإضاءة الصباحية ، حيث تصبح الحاجة إلى 20,000 لوكس لكل متر مربع .
وعلينا الإبتعاد عن طقوس الشتاء المعهودة المتمثلة في زيادة عدد الوجبات والجلوس حول مصادر التدفئة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الإصابة بأمراض الشتاء المعدية، وخاصة الانفلونزه والتي تكثر نتيجة عادات وتقاليد التقبيل ، أما فيما يخص المواد الغذائية فينصح بالإكثار من أكل الفواكه والخضراوات والتي تحتوي على عناصر غذائية و فيتامينات متعددة تساعد في تقوية جهاز المناعة في الجسم ،و يتوجب على أصحاب الأمراض القلبية والصدرية الحذر من تأثير الشتاء السلبي على صحتهم .وللركض والهرولة تحت المطر أثر نفسي ايجابي ومتعة منقطعة النظير ، فعلينا بالخروج .