الأزمة السعودية الإيرانية تعقد الحل السوري
صعّدت السعودية وحلفاؤها، أمس، من ردود افعالهم، تجاه إيران التي تبلغ الازمة الحالية معها، ذروة الشرر المتطاير منذ 1979، بيد أن ما اشترطه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، من أنّ على طهران "التصرف كدولة طبيعية" لتعود العلاقات الدبلوماسية المقطوعة معها، يشير الى ان هذه العلاقات لن تعود في المستقبل المنظور.
وأمس، أعلن السودان والبحرين عن قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران، بينما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تقليص التمثيل الدبلوماسي مع طهران.
وتبدو سورية، أولى الساحات المتأثرة بانزلاق العلاقات بين الرياض وطهران إلى مستوى خطير، خصوصا وان القوتين الاقليميتين تعدان طرفين اساسيين في الصراع السوري.
على صعيد متصل، رحبت جماعة "جيش الإسلام" وهي جماعة مسلحة سورية، بقرار المملكة قطع العلاقات مع إيران، في حين حذرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وزير الخارجية الإيراني أول من أمس من أن احياء التوتر بين إيران والسعودية قد يهدم جهود ايجاد حل سياسي للأزمة في سورية.
الوزير الجبير حمّل طهران المسؤولية عن زيادة التوتر بعد إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر يوم السبت الماضي حيث وصفته الرياض بالإرهابي.
وأكد الجبير أن الرياض سترد "على الاعتداء الإيراني" واتهم طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج.
وقال "كل تحركاتنا رد فعل. الإيرانيون هم من ذهبوا إلى لبنان. الإيرانيون هم من أرسلوا فيلق القدس والحرس الثوري إلى سورية."
وأشعل إعدام النمر فتيل احتجاجات للشيعة في عموم المنطقة واقتحم محتجون إيرانيون السفارة السعودية بطهران وأضرموا النيران وتسببوا في أضرار في تطور دفع الرياض لقطع العلاقات وتأجيج خصومة ملتهبة بالفعل.
وقال الجبير إن السعودية ترحب بالحجاج الإيرانيين في مكة والمدينة سواء للحج أو العمرة.
لكن الجبير قال إن إعدام النمر كان حقا للسعودية واتهمته الرياض "بالإثارة وتنظيم خلايا ومدها بالسلاح والمال."
وبعد سرد الجرائم التي أعدم بسببها أيضا 43 من أعضاء تنظيم القاعدة يوم السبت قال الجبير عن الإعدامات "نستحق على ذلك الإشادة لا الانتقاد."
تبعا لذلك، يخضع المحللون العلاقات السعودية الإيرانية لما يسمى في العلاقات الدولية بـ"المسافة السياسية" التي تقيس مؤشرات التباعد بين دولتين، مؤكدين أن هذه المؤشرات تشير إلى أن هذه المسافة بين الرياض وطهران تبلغ 25 نقطة عداء من بين 27 نقطة يتم من خلالها القياس.
وفي طهران، قالت وزارة الخارجية الإيرانية أمس، إن الرياض استغلت الهجوم على سفارتها في طهران كحجة لإذكاء التوترات.
وقال حسين جابري أنصاري المتحدث باسم الوزارة : "إيران ملتزمة بتوفير الأمن الدبلوماسي على أساس المواثيق الدولية. لكن السعودية التي تعيش على إطالة أمد التوترات استغلت هذه الواقعة كمبرر لإذكاء التوترات".
ولأن التناقض بين البلدين يتسم ببعد استراتيجي في البنية الداخلية والروابط الإقليمية والدولية وما يتفرع عنها، يرى المحللون أن هذا القدر من المسافة السياسية يعبر عن عجز كل منهما عن رؤية حدود مصالح الطرف الآخر، وهو ما يتبدى في موجة ردود الفعل الحالية.
وفي ابعاده الاقتصادية التي تحرك القوى الدولية في دعوتها للرياض وطهران للانضباط ، يقدر المحللون أن "أوروبا تريد استمرار الانضباط لأنه يوفر عليها ما يعادل عشرة ملايين دولار يوميا لكل دولار ترتفع فيه أسعار النفط بسبب الازمات السياسية، الامر الذي ينطبق على الصين التي توفر 6 ملايين دولار يوميا لكل دولار زيادة في السعر، كما أن مسارعة روسيا لعرض الوساطة مؤشر على الرغبة في توفير جو ملائم لاحتمالات التفاوض حول الازمة السورية، وهو أمر غير ممكن في ظل تصعيد الخلاف السعودي
الإيراني".
وقالوا إن "الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية يصعب اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة خلالها ، فضلا عن سياسة التحفظ التي ينتهجها الرئيس باراك أوباما مع دول الخليج ، ذلك يعني أن البيئة الدولية لن تكون مشجعة في الوصول لنقطة المواجهة
الشاملة.
وبعد ان يلفتوا إلى "خلخلة" في كيفية صناعة القرار حيال الازمة، يتساءل المحللون "عن معنى أن يصدر الجيش الإيراني تحذيرا وتهديدا ضد السعودية، وهو أمر خارج نطاق صلاحياته الدستورية، خصوصا أن وسائل الإعلام الإيرانية لم تول بيان الجيش أي اهتمام؟ كما يتساءل المحللون عن الهدف من تنظيم هجوم منسق على السفارة السعودية وحرقها في طهران؟ معتبرين أنه لا يمكن أن يحدث دون " غض أطراف " أمنية إيرانية البصر لغرض في نفس يعقوب؟
وبالمقابل، يرى المحللون أن الحملة العسكرية التي تقودها الرياض في اليمن لم تسفر عن استقرار الاوضاع في البلد المضطرب، فضلا عن تعثر الحل السوري الذي تلعب فيه الرياض دورا محوريا.
لذلك كله، يرجح المحللون "بقاء الازمة في حدود الآليات السلمية للصراع، حتى لو تخللتها أحداث عنف متفرقة أو احتكاك عابر بين الدولتين".