الحكومة الجديدة وعبور المرحلة الانتقالية
هناك محطة إجبارية لا يمكن للإصلاح في شقه السياسي العبور إلا منها .. هذه المحطة هي مجلس النواب، إذ لا إصلاح سياسيا إلا عبر قوانين ناظمة للعمل السياسي ومنها بالطبع قانون الانتخاب، ولا يمكن إقرار تلك القوانين بمعزل عن المجلس النيابي، إذن، فالنواب شركاء في برنامج الإصلاح للأشهر القادمة، وبالتالي فالاستماع إلى رأيهم والتحاور معهم ضرورة تقتضيها الظروف. لا أتحدث آنفا عن الإصلاح في صورته الكلية، بل فقط في شقه المتصل في البعد السياسي واليات صناعة القرار لذلك أقول بشراكة النواب في هذه المهمة، أما الإصلاح بصورته الشمولية سواء في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وما يتعلق بمكافحة الفساد فالمسالة من هذه الوجهة لا يقررها مجلس نواب لوحده ولا حكومة لوحدها ولا مؤسسات مرتبطة بالسلطة التنفيذية منفردة، إذ أن الإصلاح من هذا المنظور يتصل في الإرادة السياسية للدولة وما إذا كانت جادة في الإصلاح الكلي أم لا. ستذهب الحكومة الجديدة مباشرة إلى مجلس النواب ليس فقط لطلب الثقة كاستحقاق بل ستتجه إلى المجلس كشريك أساسي في إقرار القوانين، وهو أمر يحتاج إلى إرادة إصلاحية من خارج المؤسستين لدفعهما دفعا نحو الانجاز السريع، فلا المجلس من الوجهة الشعبية يمتلك ثقلا شعبيا والحكومة الجديدة ليست أحسن حالا فالافتقار إلى الشعبية لدى المؤسستين من وجهة نظر الرأي العام لا تحتاج إلى مراقب دقيق، وبالتالي هناك ضرورة وطنية لخلق حالة من التوافق على ضرورة عبور المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر. هناك من يتحدث عن أجندة اقتصادية ضاغطة على جدول أعمال الحكومة تتعلق بمواجهة استحقاقات تتصل في ما يراه خبراء ضرورة لرفع أسعار المحروقات والطاقة وهي موجة، إن حدثت، ستحمل معها ارتفاعا لمعظم السلع، وهذا الأمر لن يكون مقنعا للرأي العام مهما سيقت من حجج لتبريره، وقد يخلط الأوراق بل وقد يعصف بها. لا ينبغي أن يكون للحكومة برنامجان علني وآخر سري، فإقرار قوانين المرحلة الانتقالية هو المهمة الأساس، أما المهمات الاقتصادية غير الشعبية فلا ينبغي أن تكون على جدول أعمال الحكومة لأنها - أي مهمة رفع الأسعار - لا يمكن أن تمر بسلام ولن تجد من يقتنع بضرورتها لان احدهم سيقول لو جرت عملية جدية لمكافحة الفساد لربما أعادت للخزينة مبالغ تفوق تلك التي يمكن أن ترفدها عملية رفع الأسعار، ولعدنا إلى المربع الأول المتصل في الانطباع بان سياسات الإدارة العامة برمتها هي من أوصلتنا إلى هذا الحرج الاقتصادي، وان الإدارة العامة تداري فشلها في معالجة الاختلالات الاقتصادية التي صنعتها بيديها عبر سنوات الماضية، ورمي الحمل على الناس الذين لم تجر استشارتهم في انتهاج السياسات الاقتصادية المدمرة كالتخاصية والتسيب الذي حصل في التعامل مع المال العام. لن يكتب للحكومة النجاح إن هي اشتغلت بجدولي أعمال، واحد يتصل بإقرار القوانين الناظمة للعمل السياسي وآخر لمعالجة الاختلالات الاقتصادية عبر الاتكاء على جيوب الناس.