الحل السوري من 4 طبقات بوجود الأسد ورعايته
وكاله جراءة نيوز - عمان - أكد الكاتب والإعلامي طارق ترشيشي في مقال نشرته صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان (الحلّ السوري من 4 طبقات في وجود الأسد ورعايته) أن كل التطوّرات الجارية سورياً وعربياً ودولياً، توحي أنّ الأزمة السورية وضعت على سكّة حل سياسي حَظي بتوافق أميركي- روسي خصوصاً، ودولي عموماً، يُتوقع أن تتمظهَر فصوله تباعاً في ضوء أربع طبقات:
أولاً- الطبقة الدولية، وتتمثّل في اللقاء الأخير في سيول عاصمة كوريا الجنوبية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، والذي أعلنا خلاله دعمهما مهمة الموفد الأممي- العربي كوفي أنان لحلّ الأزمة السورية، الأمر الذي جعل هذه المهمة معتمدة دولياً، خصوصاً في البند الذي لم يذكر فيها وهو تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد. وقد جاء كلام ميدفيديف عَن الذي يعتقد أن الأزمة السورية تنتهي برحيل الأسد إنّما هو "قصير النظر"، ليُسدِل الستار على هذا "التنحّي" الذي نادَت به المبادرة العربية، وليؤكد أن الحل السوري سيكون بوجود الأسد ورعايته، وليعكس بالتالي اتفاقاً أميركياً- روسياً على العناوين الرئيسية لهذا الحل.
ثانياً- الطبقة الإقليمية، وتتمثّل في زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لطهران، والتي لم يكن حصولها مصادفة قبيل انعقاد "مؤتمر أصدقاء سورية - 2" في أسطنبول الأحد المقبل، وقد تبيّن أن أردوغان يريد من هذه الزيارة وَضع سقف لهذا المؤتمر لا يؤثر في العلاقة التركية- الإيرانية، خصوصاً وأن القيادة الإيرانية تتخذ موقفاً مؤيداً للنظام في سورية.
ثالثاً- الطبقة العربية- العربية، وتتمثل في مجموعة تطورات ماثلة، أوّلها ورقة عمل وزراء الخارجية العرب إلى القمة العربية في بغداد، والتي تتضمن مجموعة مطالب ليس بينها تنحّي الأسد.
وثاني هذه التطورات الحديث المتصاعد عن خلافات بين دول خليجية والحملة الإماراتية على جماعة "الإخوان المسلمين" واتهامها بالعمل لإسقاط أنظمة دول الخليج، وهذه الحملة لا يمكن فصلها عن الحملة الخليجية على الشيخ يوسف القرضاوي، وما تعكسه من خلاف مُضمَر مع قطر حليفة "الإخوان المسلمين" التي تحتضنه.
ويُقال في هذا السياق إنّ المملكة العربية السعودية منزعجة من قطر لاحتضانها ما يسمّى "ملتقى النهضة" الذي يضمّ معارضين سعوديين، وكان يفترض أن ينعقد في الكويت ويتحدث فيه وَلي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد من خلال مستشاره السياسي عزمي بشارة. وكان القطري جاسم سلطان قد أسّس هذا الملتقى، واجتمع في دورتين، وكان سيعقد دورته الثالثة في العاصمة الكويتية قبل أن يُصرف النظر عنها.
ويقول مراقبون إن الهجوم الخليجي على "الإخوان" يفسّر على أنه انتقاد لقطر التي تحاول أن تؤدي دوراً قيادياً في الخليج على حساب حكومات دوَل المنطقة، وإذا أُضيفت الحملة الخليجية على "الإخوان" إلى ما تعيشه القاهرة من خلافات بين المجلس العسكري و"الإخوان" المصريين، فإن ذلك يؤشّر إلى تفسّخ في جبهة القوى العربية المعارضة للنظام في سورية، وهذا يُعطي الدول الأقلّ حدة في الموقف من سورية دوراً أفضل في القمة العربية التي لم تخرج عن سقف دعم مهمة أنان، خصوصاً مع توَلّي العراق رئاسة هذه القمة على مدى سنة.
رابعاًـ الطبقة السورية، حيث اعتُبِرَت زيارة الأسد لحي بابا عمرو في حمص رسالة في غَير اتجاه، ومفادها أن القيادة السورية دخلت في مرحلة معالجة آثار الأزمة بعد أن تخطّت الجزء الأصعب منها.
وقال ترشيشي: في رأي مراقبين أن ما يعزّز اقتراب الحل السوري الداخلي هو بدء انفراط عقد معارضة الخارج، حيث ظهر جلياً في المؤتمر الذي انعقد قبل يومين بدعوة من ما يسمّى "المجلس الوطني السوري" في اسطنبول تحت شعار "توحيد المعارضة"، فبدلاً من أن يضمّ قوى جديدة إليه خسر قوى موجودة فيه، كـ"المجلس الوطني الكردي" الذي فسّر المراقبون انسحابه بأنه اعتراضٌ على النفوذ التركي داخل المؤتمر، وهو نفوذ حال من دون أن يقرّ المؤتمر في وثيقته بنداً مخصصاً للحقوق القومية لأكراد سورية. كذلك اعتبر مراقبون أيضاً أن انسحاب هيثم المالح ومجموعته من "المجلس" يعكس اعتراضاً سعودياً على النفوذ القطري في المؤتمر. وفيما يتجاهل الإعلام القطري، أو المدعوم قطريّاً، المالح ومجموعته، يفتح الإعلام المدعوم سعودياً للمالح أوسع الآفاق. ويعتقد هؤلاء المراقبون أنّ انفراط عقد مؤتمر اسطنبول ليس بعيداً من رغبة بعض الأطراف الدولية نَفض اليد من المعارضة السورية الخارجية باعتبار أنها غير موحّدة وعاجزة عن إدارة النزاع، وهو أمر تحدّث عنه وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه في وضوح الأسبوع الماضي، كذلك تحدثت عنه بالأمس وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في صيغة أكثر لباقة وديبلوماسية.
وأضاف ترشيشي: وفي ضوء هذه المعطيات، تبدو معارضة الداخل التي رفضت الذهاب إلى اسطنبول وأعلنت مواقف واضحة ضد التدخّل الخارجي وضد عسكرة الحراك الشعبي والطائفية، هي الطرف الأكثر تأهيلاً للمشاركة في الحوار الوطني الذي يُعتبر أحد بنود خطة أنان، والذي تسعى إليه موسكو وبكين وطهران منذ فترة. فهذه المعارضة أعلنت على لسان أحد شخصياتها، لؤي حسين، رئيس "تيار بناء الدولة السورية"، عن اقتراب انعقاد مؤتمر لكلّ مكوّنات معارضة الداخل، يرى كثيرون فيه خطوة على طريق تشكيل كيان معارض يستمد قوّته من الداخل ويكون قادراً على محاورة النظام.
وختم ترشيشي بالقول: يبقى أنّ الطبقة السورية لن تكتمل من دون الطبقات الأخرى، ولاسيما من دون قرار واضح بوَقف التمويل والتسليح، لكنّ الإعداد لإنجاز هذه الطبقة جَار على قدم وساق. ولا يستبعد المراقبون أن تكون زيارة كلينتون للسعودية ومساعدها جيفري فيلتمان لقطر وأردوغان لطهران مندرجة في إطار تحضير المسرح السوري الداخلي لتنفيذ خطة أنان التي أعلنت كل الدول الكبرى دعمها لها، ولَو بدرجات متفاوتة، والتي لا يُستبعد أيضاً أن يتبنّاها "مؤتمر أصدقاء سورية- 2" في أسطنبول، مشفوعاً ببعض الإضافات من هنا وهناك من أجل الحفاظ على ماء الوجه.