ارتفاع أسعار الكهرباء... من الذي يدفع الثمن؟

جميعنا يظن أن مستهلكي الكهرباء الكبار هم من يدفع ثمن ارتفاع أسعار الكهرباء، ولذا يميل الكثير منا إلى الفكرة واعتبارها ضريبة "الغنى"؛ فالغني يجب أن يساعد الفقير، وعليه؛ فإن هذا مباح وطبيعي.
اليوم؛ وحسب تعرفة الكهرباء تدفع الشركات الكبرى مثل البنوك والمستشفيات وشركات الاتصالات والصناعات الاستخراجية والمدارس والجامعات والمنازل ذات الاستهلاك العالي تعرفة عالية للكهرباء تزيد في بعض الحالات على 25 قرشا لكل ك.و.س، وهذه التعرفة تبلغ حوالي ضعف تكلفة إنتاج الـ ك.و.س، وتسمي الحكومة ذلك "الدعم البيني" أي أنه دعم الغني للفقير أو الدعم ما بين الشرائح.
إلى هنا يظهر للقارئ أن من يدفع الثمن هو المستهلك الكبير (الغني) وأن المدعوم هو المواطن الأردني، وأن الحكومة تحقق ما تصبو إليه من ناحية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
لكن؛ إن اقتربنا أكثر نرى من الذي يدفع الثمن فعلا، وهل يتحقق ما تصبو إليه الحكومة أم أن الجميع يدفع ثمن التشوه في تعرفة الكهرباء.
لنأخذ المشتركين الكبار، إن دفع هؤلاء لتعرفة كهربائية كبيرة يقلل من تنافسية منتجاتهم وخدماتهم؛ إذ إن عليهم أن يرفعوا من أسعار منتجاتهم وخدماتهم بالمقدار نفسه، فترتفع بذلك أسعار المنتجات الصناعية والدوائية والخدمات الصحية والتعليمية والسياحية والاتصالات وغيرها.  
وبذلك تنخفض تنافسية منتجاتنا وخدماتنا الأردنية وبالتالي تنخفض صادراتنا وترتفع الأسعار على المواطن.
كما أنه وفي الآونة الأخيرة؛ أدى ذلك إلى إقفال العديد من المصانع وانتقال العديد إلى دول أخرى، وعليه فقد العديد من المواطنين وظائفهم وانخفضت صادرات الأردن وانخفضت واردات الخزينة من ضريبة الدخل والمبيعات لهذه المصانع والمصالح.
وهنا ومرة أخرى، نرى بأنه وبينما تعمل يدنا اليمنى على تشجيع الاستثمار والمستثمرين، تعمل اليد اليسرى على تهريبه، وبدلاً من تشجيع المستثمر الذي يساعد الأردن على رفع الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل، فإننا نعمل على إفشاله من خلال إنهاكه بالضرائب المفروضة عليه، أوليس دفع ضعف ثمن تكلفة الكهرباء ضريبة توازي إن لم تزد على 100 %، وفي الأثناء تتسابق دول مجاورة على استقطاب المستثمر بإعطائه جميع التسهيلات.
وبنظرة سريعة على تكلفة الكهرباء (الميغاواط ساعة) في دول مجاورة ومنافسة للأردن في استقطاب الاستثمارات الصناعية، نجد أن الموضوع بديهي بالنسبة للمستثمر في القطاع الصناعي والذي يسعى لتصدير إنتاجه.
في هذا القطاع، وبالرغم من أننا وفي الأردن نفخر بدعم سعر الكهرباء للقطاع الصناعي؛ حيث بلغت تكلفة ك.و.س على الحكومة في بداية العام 2015 حوالي 15 قرشا بينما يتم بيعها للمصانع بـ9 قروش أي بدعم حكومي يبلغ 6 قروش لكل ك.و.س، إلا أن ذلك لا يكفي لأن تكون صناعاتنا منافسة ولا لأن نحافظ على هذا القطاع ومن يعمل به، فبالنسبة لبعض المستثمرين غير الأردنيين، المقارنة ليست بين 15 قرشا و9 قروش لجلب استثماره للأردن، بل هي الفرق بين 9 قروش و2.1 قرش في السعودية أو 2.5 قرش في البحرين أو...أو...الخ.
ونزيد للشعر بيتاً، بعض مصانعنا الأردنية وهي فخر الصناعات الأردنية والتي نباهي فيها أشقاءنا العرب، أصبحت تفكر بالرحيل إلى دول أخرى بسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء، وبالرغم من أن تكلفة نقل تلك المصانع ستكلف ملايين، إلا أن ذلك يبقى أجدى من دفع فاتورة الكهرباء.
وفي نهاية المطاف، من المتضرر من كل ذلك... أليس الوطن والمواطن؟!
أما قطاع الاتصالات "فحدث ولا حرج"، الموضوع "أدهى و أمر"، إذا ما قارنا تكلفة الكهرباء لهذا القطاع مع بعض الدول المجاورة.
بالنسبة لهذا القطاع وبإصرارنا على أن تدفع هذه الشركات ضريبة "غناها" من خلال ما يسمى بالدعم البيني (وهو في الحقيقة ضريبة)، فإننا نسهم في إفقار هذه الشركات ودفعها إما إلى الإفلاس والإقفال -وحصل ذلك- أو إلى تسريح الموظفين لتخفيض النفقات -وحصل ذلك- أو أن يؤدي ذلك في يوم من الأيام إلى تردي الخدمات.
وهنا أيضا وفي نهاية المطاف من المتضرر من كل ذلك... أليس الوطن والمواطن؟!
كيف لو أننا في يوم من الأيام قررنا تهريب الاستثمار؟ ماذا كنا سنفعل؟
لنتذكر اليوم أننا على أبواب عام جديد؛ ما يعني ارتفاعا جديدا مبرمجا لسعر الكهرباء، وذلك حسب الخطة الخمسية التي بدأت الحكومة بتنفيذها منذ العام 2013، لنبدأ من الآن بدراسة البدائل والحلول التقليدية وغير التقليدية، ولنكن مستعدين للعام 2016 حتى لا نفاجأ ونضطر الى استخدام سياسة وحلول الفزعة.
لننظر هذا العام إلى موضوع أسعار الكهرباء في الأردن بموضوعية وشفافية وشمولية ولنترك الجزئية والفزعة في اقتراح الحلول.