انتشار مقلق للاضطرابات النفسية في الأردن
استثمر خبراء بمجال الصحة النفسية اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي صادف أمس، لتجديد مطالبهم بتحسين واقع الخدمات المقدمة للمرضى النفسيين، لاسيما في ظل دراسات تؤكد أن ما نسبته '12 إلى 20 % من الأردنيين يعانون من اضطرابات نفسية، أي ما يعادل مليونا و750 ألف مواطن تقريبا، بينما لا يستطيع سوى 5 % منهم تلقي العلاج النفسي'.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس الجمعية الأردنية لعلم النفس الدكتور سمير أبو مغلي أن قطاع الخدمات النفسية بالأردن 'يعاني الكثير من المشكلات، أبرزها نقص الموارد البشرية القادرة على تقديم خدمات الصحة النفسية، إضافة إلى عدم كفاية العيادات النفسية لتأمين الاحتياجات اللازمة'.
وأضاف إن مما يفاقم المعاناة ارتفاع كلف خدمات الصحة النفسية في القطاع الخاص، وكذلك أثمان العلاجات.
وبين أن دراسات أكاديمية تشير إلى أن 'ما نسبته 12 الى 20 % من الأردنيين يعانون من اضطرابات نفسية، أي ما يعادل مليونا و750 ألف مواطن تقريبا، فيما يستطيع 5 % منهم فقط تلقي العلاج النفسي'.
أما الأخصائية النفسية الدكتورة فداء أبو الخير فقالت إنها ومجموعة من زملائها يصل عددهم الى حوالي (100) شخص من حملة الماجستير والدكتوراة، يسعون الى تأسيس نقابة للاختصاصيين النفسيين الأردنيين، حيث قدموا مشروعهم إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
وبينت ان تأسيس النقابة سيعود بالنفع على الأفراد بشكل عام وعلى المجتمع بكل شرائحه، كونه سيضع هيكلا مؤسساتيا للمهنة تشكل الأطر السليمة للممارسة المهنية، والعمل تحت مظلة قانونية تحفظ للاختصاصيين حقوقهم، وأيضاً تسعى لإصلاح الأوضاع المهنية والحد من التجاوزات، وسد الثغرات التي تؤثرعلى المجتمع والأفراد.
وقالت إن المتقدمين هم خريجو قسم علم النفس، وليسوا أطباء، ولا اختصاصيين اجتماعيين، والهدف من النقابة توضيح المهنة وواجبات وحقوق الأخصائي النفسي، ووضع خطط مع المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة للحد من مشاكل تتزايد يومياً دون وجود حلول جذرية.
وأضافت أبو الخير 'ولو اطلعنا على تجارب الدول المتقدمة نجد أن الأخصائي النفسي متواجد في كل المجالات، الإعلامية، والمستشفيات، والعيادات، والبنوك، والمصانع، والجامعات'.
وتابعت 'وربما لمعرفة مدى احتياجنا لوجود مثل هذه النقابة وما يتبعها من أنشطة وبرامج نذكر بعض المشكلات التي ما تزال تتزايد دون حلول جذرية، منها: العنف الجامعي، والاضطرابات النفسية، وازدياد عدد اللاجئين وما يتصل بهم من مشاكل واحتياجات، فضلا عن ارتفاع نسب الإساءة للأطفال والنساء، والعنف المجتمعي بشكل عام، وارتفاع نسب الطلاق'.
وأكدت 'افتقار الاردن لوجود أي جهة تقدم وتتابع الخدمات والبرامج النفسية بشكل يدعم وجودها ويطور جودتها، ما يعني عدم وجود جهة كفيلة بتوفير الحماية والأمان لمقدمي الخدمات والبرامج النفسية في مناطق مخيمات اللجوء، والمناطق غير الآمنة'.
وكانت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض العون القانوني) أطلقت مؤخرا، بالتعاون مع عدد من أخصائيي الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، الشبكة الأردنية للدعم النفسي، التي ستقدم خدماتها لمحتاجيها من الأردنيين بشكل تطوعي مجاني.
كما يوجد في المنظمة وحدة تحمل اسم 'وحدة الدعم النفسي الاجتماعي'، وتعمل على استخدام منهجيات صحة نفسية ودعم نفسي اجتماعي قائم على الأدلة، وتراعي الحساسية الثقافية للمنتفعين من خدماتها.
وتقوم رؤية هذه الوحدة على 'استخدام منهجيات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، للمساهمة في إقامة مجتمع عادل، ومستقر، خال من الصراع، وذلك عن طريق تمكين المجموعات المهمشة للحصول والتمتع بحقوقها وحرياتها الشاملة'، بحسب أختصاصية الدعم النفسي والاجتماعي في المنظمة الدكتورة لينا دارس.
وبينت دارس أن مصادر الاحالة لأختصاصيي الدعم النفسي والاجتماعي تتمثل في المستفيدين أنفسهم، وأعضاء فريق الدعم القانوني في المنظمة، وكذلك من خلال العمل الميداني أو اللقاءات الجماعية، أو من مديري الحالات الذين يديرون القضايا في المنظمة أو من المنظمات الشريكة.
وأكدت أن المنظمة لمست خلال تعاملها مع مراجعي المنظمة، زيادة الحاجة لخدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، مبينة أن اللجنة الدائمة المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة، تتبنى طرق إحالة خاصة لسد احتياجات اللاجئين، في حين أن الأردنيين لا تتوفر لهم هذه الخدمة.
واستجابة لحاجة الأردنيين من الفئات الأقل حظاً لهذه الخدمات، أطلقت الوحدة مبادرة لإنشاء شبكة من المختصين في مجال الصحة النفسية في الأردن، وأسمتها 'الشبكة الأردنية للدعم النفسي'.
وتضم الشبكة 23 اختصاصياً في مجالات الصحة النفسية وتخصصات علم النفس المختلفة، ومتطوعين لتقديم خدمات الدعم النفسي اللازمة لمحتاجيها من الأردنيين.
كما تضم مجموعة من الاختصاصيين، والمعالجين المؤهلين في مجالات الصحة النفسية، والطب النفسي، والدعم النفسي الاجتماعي، والاضطرابات النمائية، والإرشاد النفسي والتربوي.
وستعمل على التعامل مع حالات من مختلف الأعمار، على شكل استشارات فردية، أو أسرية أو زوجية، كما سيقدم أعضاء الشبكة خدماتهم في محافظات عمان، والزرقاء، وإربد.
وينص دستور منظمة الصحة العالمية على أنّ 'الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز'.
وكان التقرير العاشر للمركز الوطني لحقوق الإنسان أكد ضرورة اعتبار الصحة النفسية جزءًا أساسياً من خدمات الرعاية الصحية، وزيادة عدد المراكز التي تعنى بالصحة النفسية لتغطي أقاليم المملكة كافة، وتوفير خدمات صحية للأطفال دون سن (18) عاما، مؤكدا عدم توفرها لهم إلا عن طريق العيادات النفسية.
وطالب بالإسراع في إنشاء مبنى مركز التوقيف القضائي في مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية، والعمل على إعادة هيكلة مركز التأهيل النفسي (كرامة)، ونقل مرضى التخلف العقلي منه إلى وزارة التنمية الاجتماعية، كونها صاحبة الاختصاص برعاية هذه الفئة من المرضى.
وتؤكد نتائج دراسة تقييم خدمات الصحة النفسية في الأردن التي تم تنفيذها العام 2010، عدم وجود سياسة واضحة وخطة وطنية مكتوبة ومعتمدة للصحة النفسية حتى الآن، رغم وجود اللجنة الوطنية للصحة النفسية، كما لا يتوفر قانون خاص بالصحة النفسية، إنما تتم معالجة أمور الصحة النفسية من خلال بعض التشريعات النافذة بشكل جزئي، ولكن هنالك مسودة خطة وطنية للصحة النفسية بانتظار اعتمادها من قبل وزارة الصحة.
وتقدر نسبة الإنفاق على الصحة النفسية بأقل من (3 ٪) من مجموع الإنفاق الحكومي على الصحة للعام 2008، والغالبية العظمى من الإنفاق (حوالي 90 %) تذهب للمستشفيات.
وتعتبر جميع مشاكل الصحة النفسية السريرية في الأردن مغطاة بأنظمة التأمين الصحي في القطاع العام، وحوالي (80 ٪) من السكان يتمتعون بسهولة الحصول مجانا على الأدوية النفسية الأساسية، فيما يتوفر في المملكة مركز وطني لمراقبة حقوق الإنسان، كما توجد وحدة إدارية وطنية تعنى بتقديم المشورة للحكومة في ما يخص السياسات والتشريعات ذات العلاقة بالصحة النفسية.
وتتوفر في المملكة (64) عيادة خارجية للصحة النفسية، واحدة منها مخصصة للأطفال واليافعين، حيث قامت هذه العيادات خلال العامين (2009) و(2010) بمعالجة ما معدله (303) مرضى لكل 100 ألف من السكان، فيما تشكل الإناث حوالي (39 ٪) من مراجعي كافة مراكز الصحة النفسية في الأردن.
وتشير الدراسة إلى أن معظم أسرة الصحة النفسية في الأردن توجد في مستشفيات الأمراض النفسية (بمعدل 8.2 سرير لكل 100 ألف مواطن)، تليها وحدات الطب الشرعي النفسي (بمعدل 0.01 سرير لكل 100 ألف مواطن)، والوحدات النفسية للإقامة المجتمعية (بمعدل 0.03 لكل 100 ألف مواطن)، فيما لا توجد أسرة مخصصة للأطفال واليافعين في مستشفيات الأمراض النفسية.