روسيا تعدُّ لحرب بريّة لاستعادة الشمال السوري
ركزّ الطيران الحربي الروسي، ضرباته الجوية على مواقع المجموعات المسلحة في وسط سورية، في خطّة تستهدف طرد المسلحين وضرب قدراتهم العسكرية، وهو ما أدى الى هروب جماعي نحو الحدود مع تركيا.
وتتحدث أوساط مقربة من دمشق عن أن الخطة الروسية، تجهّز الارض لحربٍ بريّة يبسط الجيش السوري خلالها سيطرته الكاملة على وسط البلاد تمهيدا لمعركة استعادة الشمال، من قبضة الفصائل المسلحة المختلفة.
وقال مراقبون، ان موسكو استطاعت خلال 72 ساعة من القصف المركز على مواقع التنظيمات في وسط سورية، إجبار أكثر الفصائل المتطرفة على بدء انسحاب واسع من ريف ادلب، لافتين الى أن "جبهة النصرة" و "أحرار الشام"، باشرتا إخلاء مقرّاتهما، حيث شوهدت أرتال دبابات وشاحنات كبيرة تابعة لهما وهي تخلي مستودعات للذخيرة والأسلحة في إدلب وأريحا وبلدات جبل الزاوية ومعرة النعمان وأبو الضهور وسراقب.
وهي تعلن أمس، أنها "قوضت القدرات المادية والتقنية للإرهابيين في سورية" ، تكون موسكو، قد أنهت عملية مهمة في تفكيك قدرة المجموعات المسلحة على شن عمليات مضادة، ضد الجيش السوري، حسب المراقبين الذي اوضحوا ان طرد التنظيمات وانكفاءها، يطيل خطوط إمدادها من الأسلحة والذخيرة، ويعقّد أي هجمات يجري الإعداد لها في سهل الغاب.
وحسب المراقبين، فان موسكو تسعى في غاراتها الكثيفة، الى وقف استنزاف الجيش السوري في المنطقة الوسطى، ليتسنى له العمل على استعادة مدينة جسر الشغور، تحت غطاء جوي روسي، لافتين الى ان الجيش الروسي، بدأ بإرسال قوات برية إلى مطار النيرب العسكري في حلب، بينما ينقل الجيش السوري والإيرانيون قوات كبيرة إلى الشمال السوري.
محللون يعتبرون أن روسيا لا ترى هزيمة تنظيم "داعش" أولوية في المرحلة الحالية، اذ أن الهدف الأساسي هو كسر العمود الفقري لـ"جيش الفتح"، الذي يشكل تهديدا أكبر من تهديد "داعش"، الذي لا يسيطر إلا على سورية الصحراوية، ومواقع قليلة أخطرها مداخل القلمون الشرقي في القريتين، وفي دير الزور التي يحاصرها منذ أكثر من عام.
وقال مراقبون ان "داعش بدأ بالانكفاء من الرقة، معقله الرئيس في سورية، بمجرد انطلاق العمليات الجوية الروسية، كما بدأ بإجلاء عائلات المقاتلين الأجانب نحو الموصل، فيما فرغت شوارع المدينة من المقاتلين، وتوقف تنقل الأرتال بين أريافها، مع تحليق مستمر لطائرات الاستطلاع، وهو أمر لم يحدث طيلة عام من الحملة الأميركية الجوية عليها".
المراقبون يعتبرون أن موسكو تعي جيدا أن "ضرب داعش وحده من دون غيره، سيلقى حماسة كبيرة من خصومها الغربيين. إذ إن إضعاف "داعش" وحده لا يخدم الهدف الروسي بتعزيز الجيش السوري، بل على العكس فإنه سيؤدي إلى مزيد من استنزافه إذا لم توجه الضربات إلى "داعش" والمجموعات المسلحة برمتها في وقت واحد، لمنع هذه المجموعات من الاستفادة من إضعاف "داعش"، والتقدم نحو مناطق سيطرة الجيش السوري، كما حدث في ادلب وسهل الغاب وفي جيوب شرق حمص".
ويرى المراقبون كذلك، أن "دخول روسيا على خط الازمة يوفر الفرصة الأكبر لإدخال سورية في مسار حل حقيقي، ومنع توجيه ضربةً خارجية ضدّ النظام الذي سينحو تحت الضغط الروسي الى اجراء مفاوضات مع المعارضة، والدخول في مرحلة انتقالية تفضي الى حل نهائي للازمة ".
إسرائيليا، نقل موقع "واللا" العبري، عن مصادر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قولهم إن أهداف الهجمات الجوية الروسية في أرجاء سورية هي توسيع نطاق السيطرة الجغرافية لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، مضيفةً أن الهجمات ركزت حتى الآن على تنظيمات عسكرية غير تنظيم "داعش" و"جيش الفتح" و"الجيش السوري الحر"، بهدف إضعافها تمهيداً لخوض مواجهة برية معها.
وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن التقدير في تل أبيب يرى أن الجيش الروسي، من خلال هجماته الجوية، يمهد الطريق ويعدّ الارضية ميدانياً لعملية برية واسعة في شمال سورية، وتحديداً في منطقة إدلب واللاذقية، يشارك فيها الجيش السوري الى جانب عناصر من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن "مصادر لبنانية مطلعة" أنّ "مئات من القوات الإيرانية البرية وصلت إلى سورية منذ حوالي عشرة أيام للمشاركة في عملية برية شمال البلاد"، وأضافت أن حزب الله يستعد هو الآخر للمشاركة في هذه العملية. وأضافت المصادر نفسها أن العملية البرية التي سينفذها الجيش السوري مدعوما بالقوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله ستواكبها غارات تشنها الطائرات الروسية.
من جهته، أكّد البيت الأبيض أنه ليس باستطاعته تأكيد هذه التقارير، ولكنه أضاف أنّ أي تطور من هذا النوع سيكون "توضيحاً قوياً وجلياً" بأنّ تحركات روسيا العسكرية زادت الصراع سوءاً.
الى ذلك، أكدت صحيفة "معاريف" أن الضربات الجوية الروسية، رغم انتظارها وتوقعها، فاجأت إسرائيل، خاصة أنها هاجمت مواقع تابعة لقوى المعارضة السورية، ومن بينها جماعات مدعومة من الولايات المتحدة، مشيرة الى أن الحشد الروسي الضخم في شمال سورية، إضافة الى التحالف مع إيران وحزب الله، من شأنه أن يؤثر بشكل فاعل جداً في الحرب الدائرة هناك، ويعزز من موقع الرئيس السوري بشار الاسد، في حربه ضد المسلحين.