هل يحجب الأردن مواقع التواصل الاجتماعي؟

طرح واسع وصعب، قد تكون الإجابة على ما يحوم حوله من أسئلة أمر مستحيل، لكن من ناحية افتراضية تجول في خاطر بعض المسؤولين نوقشت حقيقة في دوائر مغلقة، وشكاوى من أصحاب قرار وإعلاميين أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تساهم في تأجيج صراعات عرقية ودينية يستوجب التدقيق والتحليل، إذا ما حاول البعض اعتبارها المتهم الوحيد في مثل هكذا قضايا حساسة، رغم أن حادثتي قناة رؤيا الفضائية والنائب رائد حجازين لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة.

ولكي تفهم الأمور في سياقها الصحيح يجب الإقرار أن هناك نحو 4 ملايين مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في الأردن 'فيسبوك، تويتر، انستجرام، يوتيوب'، فيما تفيد أرقام رسمية توسع قاعدة مستخدمي شبكة الإنترنت لتضمّ مع نهاية عام 2014 نحو 5.7 مليون مستخدم للخدمة، بنسبة انتشار تصل إلى 75 في المئة من عدد السكان.

من الناحية الأمنية تبدو الأرقام مدعاة للقلق، سواء كانت مرتبطة بمستخدمين عاديين ينشرون ما طاب لهم من مشاركات وأخبار وخواطر أم حسابات لأفراد لهم علاقة بجماعات محظورة، تلك المواقع عجزت عن تطويقها ومراقبتها أجهزة استخبارات عالمية مثل أمريكا وفرنسا، بخاصة إذا ما تطور الأمر إلى حالات تشفير يصعب تفكيكها في الوقت المناسب كما حدث في أحداث فرنسا الأخيرة، وهنا يمكن الحديث عن وسائل اتصال إضافية مثل 'واتساب' و'مسنجر' و'فايبر'.

لكن الوجه الآخر لتلك المواقع الخدمات الجليلة التي تقدمها للمؤسسات الحكومية من جهة ووسائل الإعلام من جهة أخرى، عوضا عن أنها وسيلة تواصل ما بين الأفراد والمجتمعات، ذلك كان واضحا من مشاركة تلك المؤسسات لأخبارها على 'الفيسبوك' وغيره، حتى أن المواقع الإلكترونية الإخبارية والصحف الورقية التي تملك نسخا الكرتونية لن تجد من يتابعها بشكل حثيث بدون مشاركة ما تنشره.

بمعنى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت على رأس قائمة الإعلام بأنواعه 'سياسي اجتماعي اقتصادي'، هذا على المدى المنظور إن كان من الصعب التكهن مستقبلا إذا ما كانت ستطغى على سواها، لدرجة إعدامها فلا نجد سوى تلك المواقع للتعامل معها، وستبقى المواقع الإخبارية والمنابر الرسمية تحاكي ذاتها فقط.

في نفس الوقت يمكن الإقرار بأن مواقع التواصل الاجتماعي على أشكالها تأخذ من وقت الكثيرين بما هو غير طبيعي ومستأنس، ما دفع ببعض الوزارات والمؤسسات الحكومية اتخاذ قرار غير مقبلو من شريحة كبيرة من المتصفحين بحجب المواقع الإخبارية وغيرها، بحجة الانشغال عن العمل وهو في بعض الأحيان صحيح، لكن التعميم غالبا ما يفشل، فلا يجب إنزال العقاب على الجميع بسبب أخطاء فئة بعينها.

من السلبيات أيضا تلك الإشاعات التي تطلق عبر تلك المواقع، بخاصة إذا ما صيغت بشكل محترف على شكل خبر أم تقرير، ثم تصبح واقعا مفروضا ينتشر بسرعة، حتى أن محاولات النفي غالبا ما تفشل بعد أن يكون عدد من شارك المعلومة تجاوز عشرات الآلاف.

اليوم هناك دعوات لمراقة جازمة لتلك المواقع بل إن البعض دعا صراحة إلى حجبها، دون معرفة تفاصيل المتطلبات والتبعات التقنية والاجتماعية، وقد يكون الأمر مستحيلا، فهنالك دوما وسيلة لنشر أي كان.

التدقيق بالظاهرة وتحليلها بأكثر من جانب يفرض التساؤلات إن كانت بسبب الشعور بالكبت وانعدام حرية التعبير، أم أنها بسبب الفراغ السياسي والاجتماعي والعاطفي، وهل كانت قفزة تقنية لا تتماشى مع الحداثة المجتمعية والتطور الطبيعي لأفكار الأفراد والمجتمعات، وهو صحيح في جزئية بسيطة فقط، يمكن العودة إلى التحول الجذري الذي شهدته البلاد بعد التسعينيات 'حرب الخليج الثانية'، ومعرفة دقة هذا الافتراض.

عشرات الأسئلة تبقى عالقة ما بين الانتشار السريع لاستخدام التواصل الاجتماعي وأفكار حجبها
للربيع العربي دور أساس تشجيع تلك الظاهرة، فبين عزل رؤساء ومقتل آخرين واستبداد وتسلط امتد لعشرات السنين فارق كبير، يمكن أن يحدث صدمة يتبعها إنتاج فجوة واسعة في واقع الناس، الذين ارتبك غالبيتهم بسبب الدول العميقة والثورات المضادة، فأصبحوا في منتصف الطريق ولم تأخذ ثوراتهم التي تطالب بالعدالة والحرية مسارها الصحي وتوقفت عند رد فعل تمثل بالشتم ورفض الآخر.

من المفارقات العجيبة والتي كشف عنها تقرير محايد نشرته 'قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب في دبي' أن الغالبية العظمى من مستخدمي 'الفيسبوك' في العالم العربي يستعملونه بشكل يومي وبنسبة تصل إلى 89 في المئة من إجمالي مستخدميه، والأهم أن أعلى معدلات الاستخدام اليومي للشبكة سجل في فلسطين بنسبة 99 في المئة وهو بلد محتل، والعراق بنفس النسبة 99 في المئة ويعيش احتلال من نوع آخر، ومن ثم جاءت بعد ذلك كل من الأردن والجزائر والإمارات بنسبة متشابهة بلغت 93 في المئة.

التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي أصبح اليوم أكثر تحديا من ذي قبل، فهل تحاول السلطات الدفع باتجاه تضييق الخناق عليها تمهيدا لحجبها، أم أنها ستحاول احتواءها بعقلانية، على الأقل للتقليل من تأثيراتها الاجتماعية خوفا من أن تتطور إلى قوة سيكون من الصعب السيطرة عليها في وقت قريب.