على طريقة سعاد حسني: لغز الوفاة الغامضة لطالبة الثانوي!

«حين أموت يا أمي، لا تحزني على أشياء كنت أريدها، بل اغفري لي عقوقي. وعندما أموت يا أخي، لا تدع كبريائك يسقط، أريدك أن تبقى الأخ الحنون. وحين أموت يا أصدقائي، لا تسمحوا لأعينكم بالبكاء، أريد منكم الدعاء فقط. وحين أموت يا من أحببت، لا تسمح للحزن بأن يكسرك، بل أكمل حياتك بدوني». أربع رسائل تركتها منة شريف، تلك الفتاة التي أشعلت وفاتها مواقع التواصل الاجتماعي، البعض يطالب بالقصاص ممن قتلها، وآخرون يؤكدون أنها تخلصت من حياتها بعدما سقطت من الطابق الرابع في مسكنها، على طريقة الرحيل الغامض للسندريللا سعاد حسني.

صوت ارتطام جسم بالأرض أحدث ضجيجاً وسط الصخب الذي تعج به المنطقة، فهرع الجميع على أثره يحاولون البحث عن مصدر هذه الصوت، لتكون الكارثة التي اقشعرت لها الأبدان.

فتاة في العقد الثاني من العمر ترقد جثة هامدة في سُبات عميق، غارقة في الدماء، مسجّاة على ظهرها وقد فارقت الحياة إثر سقوطها من شرفة الطابق الرابع من العقار الذي عثر على جثتها أمامه، مشهد فطر القلوب وخطف الأنظار، ليتحول الشارع إلى كتل من البشر عجزوا عن شرح ما حدث.

التعرف على الجثة
المكان منطقة عين شمس في شرق القاهرة حيث يتزاحم أبناء الطبقات المتوسطة في منازل متلاصقة الى حد كبير ليسمح هذا التقارب بنوع من التعارف جعل الأهالي يعرفون بعضهم بعضاً... لذا لم يكن مستغرباً أن تجد من يصرخ معلناً وفاة منة شريف من دون أن يتواجد أحد من أهلها.

ومثلما جعل الحادث الشارع يزدحم بالمارة الذين حضروا من كل مكان يستطلعون ما حدث، لحظات وكان يعج برجال الشرطة الذين حضروا لفحص البلاغ وكشف تفاصيله.

كسر في الجمجمة وجرح قطعي في الجبين وكسر في الفخذ الأيسر، كانت تلك الإصابات التي حلّت بالفتاة إثر سقوطها من شرفة الطابق الرابع، حيث تقيم مع أسرتها التي كانت سبباً في وفاتها متأثرة بإصابتها.

بيانات الفتاة
منة الله شريف، تبلغ من العمر 16 عاماً، طالبة في الصف الثاني الثانوي، والدها ضابط في القوات المسلحة، تقيم في العقار محل البلاغ بصحبة والدتها وشقيقها، وكانت موجودة بمفردها وقت الحادث... كانت تلك المعلومات المبدئية التي توصل اليها رجال المباحث فور حضورهم الى موقع الحادث، لتبدأ الحكايات والأقاويل في رسم العديد من الألغاز حول وفاة الفتاة.

«أربعة بلطجية صعدوا إلى مسكن الفتاة مستغلين عدم وجود أهلها وألقوا بها من أعلى. المتهمون ينتمون الى جماعة إرهابية أزهقوا روح المسكينة انتقاماً من والدها، الذي ينتمي الى القوات المسلحة...» قصص وحكايات بدأ الأهالي ينسجون تفاصيلها حول وفاة منة، لتتناقلها عنهم وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن تحريات رجال الشرطة كان لها قول آخر.

مسرح الحادث
معاينة رجال المباحث الجنائية شقة الفتاة المتوفاة كشفت عن عدم وجود آثار عنف أو تلفيات في جميع منافذ الدخول والخروج، إلى جانب عدم وجود أي بعثرة في محتوياتها تشير إلى مقاومة منها تجاه الأشخاص الذين يتردد قيامهم بإلقائها من شرفة مسكنها.

لم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، بل كانت المفاجأة الكبرى عندما عثر رجال المباحث على ورقة بخط يد الفتاة المتوفاة، كتبت فيها رسالتها الأخيرة، التي حملت بين طياتها اتهامات غير صريحة لوالدها، بأنه السبب في إنهاء حياتها بهذا الشكل المأسوي.

لغز الرسالة
«لمّي جوزك عننا، مش هيحصل كويس، المرة دي البنت، المرة الجاية الولد»، كانت تلك الرسالة التي عثر عليها في مسكن الفتاة المتوفاة والتي كانت ستؤكد رواية الأهالي بأن مجهولين ينتمون الى جماعة إرهابية كانوا وراء الحادث انتقاماً من والدها رجل القوات المسلحة، لكن كون الرسالة بخط الفتاة المتوفاة رسم لغزاً جديداً حول وفاتها، وجعل البعض يتساءل: هل أُكرهت الفتاة من جانب الجناة على كتابة هذه الرسالة؟ سؤال طرحه رجال المباحث وهم يحاولون كشف غموض الحادث، لكنهم فسروا الرسالة بأنها محاولة من الفتاة لتصوير والدها بأنه أصل المشكلة، عقاباً له على خلافاته مع والدتها، وهو ما كشفه هاتفها المحمول الذي وجدوا عليه بعض الرسائل التي تؤكد أنها تخلصت من حياتها وجاء فيها: «لا تحزن إذا سمعت أن مكروهاً قد أصابني»، التي كانت الطلب الأخير الذي طلبته منة من كريم، طالب الحقوق الذي يقيم معها في الحي نفسه وتربطهما علاقة عاطفية، وهو ما قرره الحبيب بعدما عُثر على رقمه على هاتفها، وتم استدعاؤه لمعرفة تفاصيل الاتصال الأخير بفتاته.

لم تترك منة رسالة لحبيبها فقط، بل عثر على رسائل أخرى لوالدتها وشقيقها الوحيد وأصدقائها، طالبتهم جميعاً بعدم الحزن عليها حين تموت... وضعت منة رسائلها الأربع في صورة جعلت منها «البروفايل» الخاص بها على «واتس آب»، وهو ما كشفه رجال المباحث عند فحص الهاتف، لتشير التحريات إلى أن الفتاة أقدمت على التخلص من حياتها.

الدافع
بات رجال الشرطة أمام لغز جديد، تُرى ما الذي يدفع هذه الصغيرة للانتحار وإنهاء حياتها بهذه الطريقة المأسوية؟ لتأتي التحريات مشيرة إلى وجود خلافات زوجية بين الأبوين دفعت الأب إلى ترك المنزل منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي أثّر في نفسية الفتاة، التي لم تتحمل خلافات والديها فقررت التخلّص من حياتها، ربما يكون ذلك رسالة استفاقة لأب وأم ضلاّ الطريق في كيفية إسعاد أبنائهما.

جنازة مهيبة شارك فيها المئات لوداع منة، تلك الفتاة البريئة التي أشيع خبر وفاتها بسبب الإرهاب المنتشر في المجتمع المصري، لكن في الحقيقة فإن الإرهاب الأسري هو من قتل ابنة الضابط، الذي ضلّ الطريق في تأمين مستقبل ابنته وحمايتها من خلال خلافاته المستمرة مع والدتها.

جهات التحقيق
قضية منة ما زالت محل تحقيقات رجال الشرطة والنيابة، فرغم التصريح بدفنها، لا يزال خبراء الطب الشرعي يعكفون على فحص رسالتها، لمعرفة ما إذا كانت قد خطّتها مكرهة أم بمحض إرادتها، في الوقت الذي صدر قرار من النيابة بالتحفظ على مسكنها لحين انتهاء خبراء المعمل الجنائي من رفع جميع البصمات، لمعرفة ما إذا كان شخص غريب قد حضر الى المسكن من عدمه، كذلك ما إذا كانت هناك آثار لأي عنف جنائي من عدمه.

قرارات النيابة إجراءات حتمية لسد أي ثغرة قد تشير الى وجود شبهة جنائية في الحادث، لكن رسائل الفتاة الأربع التي خصت بها والدتها وشقيقها وأصدقاءها وحبيبها دون والدها، تحمل العديد من الدلالات في قصة وفاة صاحبة «هاشتاغ» «#منة_شريف» الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل وحكايات متناقضة حول سبب وفاتها، بعد سقوطها في ظروف غامضة من شرفة مسكنها.

ورغم أن منة طالبت الجميع بعدم الحزن، لكنهم عجزوا عن تحقيق رغبتها، بعدما تركت لهم ذكرى حزينة من خلال ابتسامة لم تفارقها في كل الصور التي رسمت ملامح بريئة واراها الثرى.