صورة إخبارية: كريستيانو رونالدو ”الكم“ ميسي”الكيف“

يمكن رسم واختزال معالم الصراع على التهديف بين البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي على شكل صراع الشيخ الطاعن بالسن مع السمكة في رواية النابغة الامريكي ارنست همنغواي.

ارنست حدد ملامح الصراع بين العجوز والبحر عبر سمكة استعصت على العجوز الصبور حتى نال منها في النهاية.

والرواية تجسد الصراع الازلي بين الانسان والطبيعة، وفي هكذا حالة طبيعية يمكن تخيل الشيخ العجوز على انه ميسي والسمكة على انها الكرة اما في الشكل الافتراضي الثاني فيمكن تخيل رونالدو على أنه السمكة نفسها.

السمكة تجيء لرونالدو دائما هكذا يقول عشاق ميسي.. تبحث عنه، ترتد من ظهر مدافع فيحسبها الحكم ركلة جزاء، يصوبها زميل فيصدها حارس وتاتي لرونالدو أيضا، يشتتها الدفاع فتاتي لرونالدو وهكذا.

فيما يعيد ايسكو وراموس وبينيتيز وكل محبي ريال مدريد رسم ملامح المشهد على انه اجتهاد ورغبة جامحه وحسن توقع وترصد من قبل رونالدو للكرة بغية تسجيلها في المرمى، والنتيجة كم كبير من الاهداف عادي أن يصل الى الالف بل واكثر.

طبقا للهازئين الشامتين، والذين يدعون حينها ان هذا على عكس مجريات رواية همنغواي، بل انه يبطلها اساسا.

فلو انصاعت السمكة للعجوز ودخلت صنارته كطعم وكطريدة وباتت وجبة دسمة لما كان هناك رواية من الاساس، لكن الشغف والمتعة والترقب يجيء من كون السمكة تستعصي على العجوز فيطوعها لصالحه بحرفية وحنكة وصبر وجهد في النهاية، وهذه حالة ميسي مع الأهداف.

هكذا يحب عشاق ميسي ان يصفون طريقة تهديف نجمهم، وهم يجلسون في مقهى بسيط على ناصية شارع ما.. في مكان ما.

وسجل رونالدو 8 أهدافي في 3 أيام خلال هذا الاسبوع لحساب فريقه ريال مدريد وصيف بطل الدوري الاسباني لكرة القدم، أما ميسي فكفل الفوز لبرشلونة بطل الليغا على حساب اتلتيكو مدريد، ولم يمسك السمة أمام روما فسقط الفريق الكتالوني في فخ التعادل.



من يفهم في تحليل الدم سيصنف زمرة ميسي على انها زمرة نادرة لانها باختصار "أووو بلاس" معطي عام، ومن يكره رونالدو سيصنف زمرته على انها العكس (أووو سالب)، وتلك ليست الحقيقية التي يحب سماعها رفقاء رونالدو ومحبوه.

كريستيانو رونالدو ياتي للتمارين مبكرا ويخرج من الملعب متأخراً، يجتهد ويصوب كثيرا على المرمى، وفي المباريات ينظر دائما الى الكرة ويتتبعها ليطيح بها في الشباك، يسجل بكلتا قدميه وماهر في العاب الهواء وسريع وقوي بدنيا ومرعب في ركلات الجزاء والكرات الثابتة احيانا.

كل تلك الميزات التي يتمتع بعا رونالدو تصبح لاحقا مصدر لتندر جمهور ميسي، الذي يرى فيه النجم الذي يبحث ويلهث للحصول على الكرة من قرب منطقة جزاء فريقه ووسط تكتل المدافعين ومن بينهم ومن ثم يتوجب عليه القضاء عليهم وقذفها في الشباك بعد التخلص من مهارة الحراس، كل ذلك الجهد، نعم وأكثر.

وفي المقابل يقولون بتبجح، ويتفننون في ذكر ورسم معالم أهداف ميسي، يقولون ان وراء كل هدف طريقة وحكاية وان أكثر من مائتين منها مختلف عن الاخر، ويمدحون الاهداف التي تأتي برأسه على قصر قامته، والأهداف التي يحرزها بيمناه ك"رجل بديلة".. كيف ينسل من بين الخصوم وكيف يكون حملا وديعا احيانا ومن ثم يلسعهم ويلدغهم.. وكيف وكيف؟.

من يحبون ميسي يقولون أن ما يقوم به رونالدو مجرد "كم" عدد مركوم كموجات البحر، أما أهداف ميسي فتمثل "الكيف".



اما اتباع رونالدو فلا شيء يضيفه لهم ولا العكس، هم يعدون اهدافه كما تعد الالة الحاسبة النقود وهو يهز الشباك بلا رحمة، هكذا كتب ذات يوم صحفي في جريدة كتالونية.

ماذا يفعل رونالدو ان جاءت الكرة من خصم او اتردت من ظهر مدافع؟.. ايتركها وينتظر ان يقوم بنفسه بهندسة صناعتها على نار هادئة؟

هو صاروخ ماديرا، وهو الطفل الذي عانى في جزيرة لها تقاليدها الخاصة وحتى لكنتها الخاصة وهو خاص ونادر في بلاد ظلت على هامش التاريخ ظل وتابع لإسبانيا.

اسبانيا تعيش على عشرات السطور الحية لجارثيا لوركا ورسومات "بابلو بيكاسو وسلفادور دالي" ومصارعة الثيران ورقصات الفلامنجو وجمال سواحل مايوركا وابداعات انطونيو بانديراس وخافير برديم وغيرهما في السينما، اما البرتغال فليس لها سوى رونالدو والروائي النوبلي "جوسيه ساراماخو صاحب رواية العمى الشهيرة".

من لها غير رنالدو الذي يحمل على عاتقه رفع اسم بلد لا يعرف كثر من الناس من هو رئيسها ولا ان كانت دولة ام جمهورية أم ماذا؟ لكنهم يعرفون رونالدو .. وهذا حسبهم.

وقدر ميسي ان يزاحم ويناضل ليخلص من ارث عدد كبير من عباقرة كرة القدم، فإن راوغ عدة لاعبين قالوا هذا هدف من طراز اهداف مارادونا، وان كانت التسديدة قوية قالوا هذا نسخة عن اهداف غابرييل باتيستوتا وان سدد من مسافة قريبة قالوا هذا ماريو كيمبيس، وان فتك بالكرة قالوا هذا دييغو سيميوني وان مرر والتزم قالوا خافيير زانيتي وان دافع بالخلف مع رفاقه قالوا هنا باساريلا.. وهكذا.!



على ميسي ان يكون النسخة الوحيدة والفريدة التي لا تشبه الا ذاتها، ولهذا تراه صامت كتمثال اغلب أوقات المباريات، يبتسم قليلا ولا يتحدث الا بلغة الاهداف ولا يعلق او ينساق للانتقادات والرد على مناكفيه ومنتقديه.

ميسي ورونالدو هما حديث العالم وسيبقيان وهما اعادة للثنائيات التي تحدث في التاريخ بين الدول وأولها "فرس ويونان" وأخرها "امريكا وروسيا" وفي الكرة هما استنساخ لتجربة "دي ستيفانو بوشكاش" مرورا بماردونا بلاتيني والغالب اننا سننتظر طويلا لنعرف من الثنائي الذي سيخلفهما.

وحتى ذلك الحين سيبقى الجدل وستبقى المناظرات والنقاشات والمقارنات، لكن المهم ان تبقى في سياقها المعتاد، مزحة ونزهة وتسلية.. ولا تتحول الى تعصب أعمى.