ماذا لو ثبت أنه لا وجود للوقت؟

"كل شيء يحدث في اللحظة الراهنة”، هو مبدأ أساسي من مبادئ الكون، لا يزال العديد من علمائنا يحاولون فهمه، فنظرية الكم تثبت أنه لا وجود للوقت في الحقيقة، وهناك فقط أشياء أقرب إليك في الزمن، وأشياء أبعد، لكن نظريات الفيزياء الحديثة تعتبر فكرة تفسير أن الوقت يتدفّق ليصبح ماضٍ "تفسيراً ساذجاً”.

وبدأت المشكلة مع مفهوم "الوقت” منذ قرنٍ من الزمن، عندما هدمت نظرية آينشتاين عن النسبية فكرة أن الوقت ثابت علمي، ما أدى إلى تفسير أن الماضي، والحاضر، والمستقبل ليسوا مفاهيم مطلقة.

فوفقاً لنظرية أنشتاين النسبية الخاصة، لا توجد وسيلة لتحديد أحداث يمكن لكل الأشخاص أن يروها تحدث في نفس الوقت، فحدثان يحصلان الآن معاً بالنسبة لك، يحدثان في أوقاتٍ مختلفة بالنسبة لشخصٍ آخر يتحرك بسرعةٍ مختلفة، وذلك أن معادلات الفيزياء لا تعترف بوجود اللحظة الراهنة، وبالتالي لا تعترف بتدفق الزمن، وإضافةً إلى ذلك، فإن نظريات ألبرت آينشتاين في النسبية لا تشير فقط إلى أنه لا يوجد زمن حاضر واحد، بل أن جميع اللحظات حقيقية على حدٍّ سواء.

واقترح العالم الفيزيائي البريطاني، جوليان بربور، أن الحل لمشكلة الوقت في الفيزياء وعلم الكونيات ببساطة يكمن في أنه "لا وجود لما ندعوه الوقت”.

ويقول بربور: "الناس على يقين من وجود الوقت، لكنهم لا يستطيعون التواصل معه، لأن الوقت غير موجود على الإطلاق”، ويأتي تفسيره هذا بناءً على سنواتٍ من البحث في كل من الفيزياء الكلاسيكية وفيزياء الكم.

وفي الماضي، صور إسحاق نيوتن الوقت كنهرٍ يتدفق بنفس المعدل في كل مكان، ثم جاء آينشتاين ليغيّر هذه الصورة، لكن حتى آينشتاين فشل في تحدي مفهوم الوقت كمقياسٍ للتغيير، ومن وجهة نظر بربور، فإن كل لحظة بشكل فردي هي وحدة متكاملة في حد ذاتها، ويدعو هذه اللحظات "ناوز- Nows”، ويؤمن بأننا نعيش ونحن نتحرك عبر سلسلة من "ناوز”.

لكن ما هي الـ”ناوز”؟

يمكن النظر إليها كأنها صفحات تم نزعها من رواية ورميت على الأرض، كل صفحة من هذه الصفحات هي كيان مستقل موجود ومنفصل عن الوقت، وبغض النظر كيف نرتب الصفحات، كل صفحة هي كيان مستقل عن الزمن، وفيزياء الواقع بالنسبة لبربور تتمثل في وجود هذه الـ”ناوز” مجتمعة ككل مع بعضها، أي كل التشكيلات الممكنة في الكون، وكل ذرة في كل مكان من الكون وجدت مع بعضها البعض بشكل مطلق ومنفصل عن الوقت.

كما أن أوهامنا عن مفهوم "الماضي” تظهر بشكلٍ دائم، لكن بقليلٍ من النقاش سنجد أن الدليل الوحيد لدى المرء من الأسبوع الماضي هو في ذاكرته، لكن الذاكرة تأتي من هيكل من الخلايا العصبية في الدماغ، كما أن الدليل الوحيد لدينا من ماضي الأرض هو الصخور، لكن هذه أيضاً هياكل مركبة بطريقة معيّنة ونراها الآن، فالمقصود أننا ندرس ما لدينا في "الحاضر”، وكل ما لدينا هو في "الوقت الحالي”.

والوقت، في وجهة النظر هذه، ليس شيئاً موجوداً بشكلٍ مستقل عن الكون، أي ليس هناك ساعة تشير إلى الوقت خارج الكون، فمعظمنا يميل إلى التفكير في الوقت بطريقة نيوتن: "الوقت مطلق، صحيح ورياضي، ويتدفق بانتظام، بغض النظر عن أي شيء خارجي”.

لكن كما أثبت آينشتاين، وعلى عكس ما يعتقد نيوتن، فالوقت هو جزءٌ من نسيج الكون، والساعات العادية لدينا لا تقيس شيئاً مستقلاً عن الكون.

وتقول العقلية السائدة في العالم أنه يجب أن يكون لكل شيء في الكون تفسير علمي، سواءً الآن أو في وقتٍ ما في المستقبل، من خلال أساليب التحليل العلمية وحدها، فالعلم يقول أن لا شيء يستحق الوقت للنقاش في غياب دليل علمي.

وذلك بنظر بربور يضع قيوداً معيبة على عملية التنمية البشرية، فسلوك الجسيمات لا يمكن تفسيرها بالعلم وحده، ذلك لأن عقل لا يستطيع تفسيرها، لكون العقل البشري بطبيعته يعمل على أساس أن الواقع يتكون من أشياء ومعلومات يمكن تقسيمها وتحليلها بطريقة ميكانيكية خطية.

ولندرك كم هي خاطئة هذه الطبيعة، علينا أولاً أن نقبل حقيقة أن العالم الذي نعيش فيه هو عالم نسبي، نتفاعل فيه في مستوى الوعي مع الكائنات البشرية الأخرى ومع باقي الكون بطريقةٍ خطية، وهذه هي طبيعة العقل البشري، لذا علينا هنا تجاوز العقل لنستطيع الوصول إلى إجابات.

فوفقاً للفيزياء، حياتك توصف بسلسلة من الشرائح، (أنت وطفل، وأنت تتناول الفطور هذا الصباح، وأنت تقرأ الأخبار، وهلم جراً…)، وكل الشرائح تتواجد بلا حراك في نفس الوقت.

ويأتي تهيّؤنا لمفهوم تدفق الوقت من فكرة أن الذات نفسها هي التي تناولت الإفطار وقرأت الأخبار، وتقرأ هذا المقال الآن، لكن الحقيقة أن المكان والزمان هو شكل من الإدراك الحسي الذي يحدث في وعينا، وكل هذا لا معنى له لأن المكان والزمان ليسوا حقائق مطلقة، بل مجرد أدوات لعقل الإنسان، ولا وجود للزمن في الوجود الفعلي خارج الإدراك الحسي للكائن، ويمكنك تخيل ذلك كأننا نحمل الزمان والمكان معنا وحولنا كما تحمل السلاحف دروعها، وأن العلاقة المتبادلة بين الوقت والوعي هي من منظور إنساني محدود، بينما في الواقع هو غير محدود.

وعبّر آنشتاين في أحد المرات عن مفهومه عن العالم اللازمني بعد وفاة صديقه المهندس الإيطالي بيسو، حيث أرسل رسالة تعزية إلى عائلة صديقه، كتب فيها: "الآن غادر بيسو هذا العالم الغريب قبلي بقليل، وهذا لا يعني شيئاَ، نحن الفيزيائيون نعلم أن الفرق بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهم عنيد مستمر، والخلود لا يعني الوجود الدائم في الزمن إلى المالا نهاية، لكنه يعني أنك مقيم خارج الزمن تماماً”.