عندما تتخلى الحكومة عن وزرائها... !!!
يبدو مشهد لبيب الخضرا وزير التعليم العالي في الأردن مقلقا وهو يتراجع عن كل القرارات التي إتخذها ومجلس التعليم بخصوص الإصلاح الجامعي بعد أيام فقط.
شروح الخضرا تنطوي على مفارقات غير مألوفة، فقد تحدث عن «دراسة متعمقة» للقرارات الإصلاحية وعندما أخفق في تمريرها في البرلمان تحدث في المقابل عن «دراسة متعمقة» جرت للتراجع عن هذه القرارات. طوال الوقت تصدى له رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب بسام البطوش.
حديث الحكومة عن دراسات متعمقة متعاكسة أظهر هشاشة الموقف الحكومي والوزير الخضرا يتحدث عن دراسات للقرار والتراجع عنه نفسه فقط لكي لا يقول أن حكومته أخفقت في مواجهة الإعتراض البرلماني رغم عدم وجود ما يعيب في ذلك.
سلسلة تراجعات وزارة التعليم العالي عن قراراتها بدأت من اللحظة التي وجه فيها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور للوزير مباشرة ضربة صاعقة عندما ظهر خارج التوافق معه خلال إجتماع رسمي مع النواب.
بعد تعليق النسور الشهير ضد وزيرة «الطازج» آنذاك بدأ عالم الوزير الخضرا ينهار أمام أعين الجميع خصوصا بعدما انتهى بتحرك نواب الثقل العشائري ضد خطواته الموقعة بإسم «إصلاح نظام القبول الجامعي» وتحديدا عندما تجدد الجدل حول سياسات المحاصصة والإستثناء.
لافت جدا في السياق ان نواب الثقل العشائري الذين عطلوا جلسة برلمانية وأحرجوا الحكومة بداية الأسبوع تمسكا بحصة أبناء البادية والعشائر في المقاعد الجامعية لا يتحركون ولا يريدون الإيحاء بأنهم يتحركون وبالقوة نفسها «لتحسين» أوضاع مدارس مناطقهم بدلا من النضال على جبهة تقاسم المقاعد دون تحسين مستوى التدريس في مواقعها كما يحصل في كل بلدان العالم.
الحقوق المكتسبة في الجامعات وغيرها تجد دوما من يعتبر الإقتراب منها من المحرمات في الأردن لكن تحقيق نمو اقتصادي وحركة حرة وتاسيس مدارس متقدمة مسائل لا تجذب أنظار من يمارسون تمثيل الأطراف والعشائر في عمان العاصمة، الأمر الذي يؤدي مجددا وفي رأي الوزير خضرا نفسه إلى الإستمرار في ترحيل المشكلات بدلا من معالجتها.
بعض الخبراء يقولون أن المشكلة الأساسية التي تواجه التعليم العالي في جامعات الأردن هي «المقاعد الإستثنائية» التي تصل إلى 79 ٪ في بعض الأحيان ومقاعد أولاد العشائر والمحافظات تحقق فعلا قدرا معقولا من الانصاف لأبناء المناطق المحرومة من كل مظاهر التنمية والمهمشة وبدلا من انصراف الحكومة لمعالجة هذا الإنصاف تنصرف لتراكم المشكلة ومعالجة الخطأ بالمزيد من الأخطاء.
لذلك دوما يجد وزراء مثل الخضرا وغيره أنفسهم في الخيار الأسهل المتمثل في الإستجابة لممثلي الثقل العشائري في البرلمان بدلا من مقايضات تنقل المدارس الأفضل إلى الأطراف والمناطق العشائرية المهملة. يحصل ذلك ويستمر في الحصول في الأردن بدون وقفة حقيقية أو استفسار عن هيبة الحكومة والوزراء التي تضيع بسبب هذه التقلبات.
الوزير الخضرا نفسه كان قد أختير خلفا للمخضرم أمين محمود وإندفع بسلسلة قرارات سريعة تراجع عن معظمها تحت وطأة الحراك البرلماني الذي انتهى بالمطالبة بإسقاطه وحجب الثقة عنه رغم التنازلات التي يقدمها يوميا خصوصا وان الرئيس النسور لا يوفر له فيما يبدو الغطاء اللازم واختلف معه بصورة علنية.
قواعد الإستثناء الجامعي كانت طوال الوقت مثارا للنقاش والجدل ليس في أوساط السياسيين والبرلمانيين فقط ولكن في أوساط الأكاديميين أيضا وهذا ما كانت تنبه له في وقت سابق وثيقة مهمة صدرت عن نخبة من الباحثين والعلماء في المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية.
في هذه الوثيقة تذكر المبادرة جميع أطراف عملية التعليم أن نسبة الإستثناءات في مقاعد الجامعات عبر المكرمات الملكية وغيرها بلغت نحو 79٪ فيما يتنافس الأردنيون على ما تبقى وهي نسبة 21 في المئة.
وحسب الوثيقة فأبرز أوجه الإختلال وأخطرها على مسيرة التعليم العالي في البلاد هي الأسس غير الموضوعية التي يقوم عليها القبول في الجامعات الرسمية والتي تنعكس لا محالة سلبا على نوعية ومخرجات التعليم الجامعي الأردني وعلى سمعة هذا القطاع ومستوى الثقة به. معد الوثيقة الدكتور محمد علوان شدد في ملخصه على أن أسس القبول في الجامعات الأردنية الرسمية ترتكز على تخصيص نسبة معينة من المقاعد الدراسية لبعض قطاعات المجتمع الأردني وفئاته دون سائر مكونات المجتمع الأخرى.
وهذه السياسة تجعل عدد الطلاب المقبولين تنافسيا في الجامعات الأردنية الرسمية في حدود عشرين في المئة فقط، أما أعداد الطلبة التي تقبل استثناء وخارج منظومة القبول الموحد فتصل إلى ما يقرب ثمانين في المئة.
وإقترحت الدراسة أنه يجوز، في بعض الأحوال معاملة الناس، بشكل مختلف وحسب الأوضاع والظروف الخاصة بهم، عن طريق اتخاذ تدابير إيجابية لصالح الفئات المهمشة والتي عانت من التمييز في الماضي.
ولكن اللجوء إلى هذه التدابير جوازي لا وجوبي، وهو محاط بمجموعة من الشروط الصارمة، لأنه يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الإعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو بحق معين من حقوق الإنسان وهو الحق في التعليم في حالتنا هذه.
والواقع – حسب الدراسة – أن الفئات والجماعات التي تحظى بالمعاملة التفضيلية في القبول في الجامعات الرسمية، والتي يبلغ عددها حوالي عشرين فئة ومجموعة، ليست من الفئات المحرومة اجتماعيا واقتصاديا ولم تعان تاريخيا وبشكل دائم من التمييز كما يروج البعض وكما يفترض أن يكون ولا تتفق سياسة القبول في الجامعات الأردنية والدستور الأردني الذي يحظر في المادة السادسة منه التمييز بين الأردنيين في الحقوق والواجبات بشكل مطلق ودون أن يردف ذلك بعبارات مثل «وفق أحكام القانون» أو «في الأحوال المبينة في القانون».
واللافت أن المادة ذاتها من الدستور تورد مبدأ «تكافؤ الفرص» بعد النص صراحة على وجوب كفالة الدولة للعمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها.
وهي لا تتفق مع المادة السادسة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي بعد أن كفلت لكل شخص الحق في التعليم أضافت أنه ينبغي «أن ييسر القبول بالتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع، وعلى أساس الكفاءة».
وقدرت الوثيقة أن سياسة الإستثناء تزيد من حدة التوتر في المجتمع بين أصحاب الحظوة من الجماعات «المفضلة» وغيرهم من الجماعات «المحرومة».
رأي المبادرة بالتوازي لا يتفق مع رأي حزب الجبهة الأردنية الموحدة الذي رفض مع نواب في البرلمان أي توجه يستهدف التعامل مع نظام القبول الجامعي والمكارم والاستثناءات الواردة فيه بإنتقائية، ويؤكد على ان مكرمة أبناء العشائر والمدارس الأقل حظا هي من أكثر الاستثناءات شرعية، لكونها تمثل بيئات تعليمية أقل حظا ورعاية. فالبيئات التعليمية في العديد من المناطق ومنها البادية وبعض الأرياف ليست بذات السوية مقارنة مع غيرها.
حزب الجبهة الأردنية أصدر بيانا يتحدث فيه عن ضرورة بقاء الإستثناء في إطار الدعم الإيجابي للبيئات الإجتماعية البعيدة رغم أن نظام القبول الجامعي بحاجة إلى تطوير ليكون أكثر عدالة وتنافسية بحيث يراعي فقط الفروق التنموية في البيئات التعليمية المختلفة وفي الوقت نفسه يعظم من عدالة التنافس في إطار البيئة التعليمية الواحدة.