مشكلة "آل القذافي" وانتشار السلاح .. على رأس "الملفات الساخنة" في زيارة مدلسي إلى طرابلس

-  جراءة نيوز - عمان - بعد ساعات فقط من تفجير "تمنراست" الانتحاري، وبعد أيام قليلة من تهديدات مصطفى عبد الجليل بقطع العلاقات مع الدول "الشقيقة" التي تتلكأ كما قال في تسليم رموز النظام الليبي السابق، أُعلن في الجزائر عن زيارة يقوم بها، اليوم الإثنين، الخامس من مارس، وزير خارجية الجزائر إلى طرابلس، وهي زيارة قال عنها مراد مدلسي أنها زيارة "للاستماع"! ومن يدري ربما كان الاستماع بدل الحديث هو أقصر الطرق لفهم الآخر، في "ملفات ساخنة" للغاية صارت تحكم اليوم علاقات البلدين الشقيقين الجزائر وليبيا.

ولئن كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد فاجأ الجميع في الجزائر بلقائه مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل على هامش ندوة الغاز بقطر، ثم عاود اللقاء به في الذكرى الأولى للثورة التونسية، وكذا المحادثات التي جرت بين الوزيرين الأولين للبلدين أحمد أويحيى وعبدالرحمن الكيب في أديس أبابا، إلا أن زيارة مدلسي هذه إلى طرابلس التي كانت إلى وقت قريب تسمى في وسائل الإعلام شبه الرسمية في الجزائر بأنها "عاصمة ثوار النيتو"، تعد منعرجا حاسما في علاقات البلدين، كونها أول زيارة لمسؤول جزائري رفيع المستوى إلى ليبيا ما بعد القذافي، بعد تأجيل زيارة وزير الداخلية الليبي إلى الجزائر في آخر لحظة قبل أيام لأسباب مجهولة، وانعقاد أول اجتماع لمسؤولين أمنيين بين البلدين في الجزائر، لمناقشة الأوضاع غير المستقرة في الحدود.

إنها إذن، الزيارة "المحتومة" التي لا مفر منها للتقدم على الأقل خطوة إلى الأمام في العلاقات الضبابية بين طرابلس والجزائر، إذ مهما حاول الطرفان التخفي وراء العبارات "الدبلوماسية" حول العلاقات الأخوية الراسخة والتاريخية، إلا أن لا أحد يمكنه أن ينكر الصور المؤلمة التي تورط فيها كل طرف على حساب الآخر قبل عدة أشهر فقط، فلا يمكن لليبيين أن ينسوا أن العلم الجزائري ظل يرفرف في باب لعزيزية في أيدي أنصار القذافي، كدلالة على ما كان يقوله الثوار أيام الثورة من دعم النظام الجزائري للقذافي بالسلاح والمرتزقة، بينما الجزائريون من جانبهم لا يمكنهم أن ينسوا تلك "الاتهامات" المؤلمة وغير المؤسسة والتي ظلت إلى اليوم مجرد كلام بلا دليل يذكر.

ومع ذلك، يتطلب السير إلى الأمام التسامي على الجراح، والمرور إلى مرحلة المصارحة الحقيقية، وفتح الملفات المشتركة مهما كانت سخونتها، من أجل مصلحة البلدين في إرساء دعائم المغرب العربي الكبير، وتحقيق السلم والأمن والتنمية والتعاون، وإذا كانت هنالك ملفات كثيرة سيتم فتحها، فإن أبرز تلك الملفات المشتركة الساخنة هما بالتأكيد ملفي عائلة القذافي بالجزائر، وانتشار السلاح في كامل المنطقة ومخاطره على الاستقرار.

عائلة "القذاذفةّ .. الصداع المزمن

كل التعاملات الجزائرية الليبية اليوم، محكومة بضلال عائلة "القذاذفة" التي دخلت الجزائر في أثناء السقوط المدوي للعاصمة طرابلس، وهي الضلال التي ما فتئت تضغط على هذه العلاقات مهما حاول الطرفان تحييدها.

التهديدات التي أطلقها قبل أيام مصطفى عبد الجليل اتجاه الدول التي تستضيف عناصر م النظام الليبي السابق، وقوله بالحرف "إن الشعب الليبي لن يغفر لأي دولة شقيقة أو صديقة تتلكأ في تسليم من قتلوا عشرات الآلاف من الليبيين"، فسرتها الصحافة الجزائرية أنها موجهة مباشرة إلى الجزائر، ورغم أنها جاءت في معظمها في صيغة تهكمية على اعتبار أن رئيس المجلس الانتقالي الليبي كما قالت لا يتحكم حتى في فصيل مسلح واحد في الحي الذي يسكن فيه، فكيف له أن يهدد الجزائر القوة الإقليمية؟ إلا أن التهديد بقطع العلاقات مع الجزائر وتونس والنيجر وهي أكثر الدول المعنية بتلك التهديدات، أظهرت ضرورة طرح هذا الملف عاجلا أم آجلا.

صحيح أن الجزائر اعتبرت في تصريحات رسمية أنها "غير معنية" بتصريحات عبد الجليل، خاصة وأن عائشة وصفية ومحمد وحنيبعل القذافي ممن استقبلتهم "لأسباب إنسانية" كما كررت ذلك دائما، لم تصدر في حقهم مذكرات توقيف دولية حسب الجزائر، سواء من المحكمة الدولية أو من شرطة "الأنتربول"، كما أن السلطات الليبية لم تطلب إلى الآن ، وبصفة رسمية تسليم "آل القذافي" إليها، وهو أمر غريب فعلا، طالما أن السلطات الليبية تقول عكس ذلك تماما، خاصة أمام وسائل الإعلام لإرضاء الشعب الليبي الذي يطالب بذلك.

في هذه الحالة، إما أن السلطات الجزائرية هي التي لا تقول الحقيقة بقولها أنها لم تتلق أي طلب رسمي من نظيرتها الليبية، وإما أن سلطات المجلس الانتقالي هي التي تتاجر بالقضية إعلاميا، وهي تعلم أن أمر تسليم تلك العناصر غير ممكن حاليا بالنظر إلى حالة الانفلات الأمني التي ما زالت سائدة في ليبيا، وعدم بناء جهاز قضائي قادر على مثل هكذا محاكمات، بدليل أن تونس الثورة رفضت نفسها تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا خوفا من إعدامه خارج نطاق القانون.

إزاء كل هذه التشابكات، قالت الجزائر بكل وضوح أنها لن تسلم عائلة القذافي إلى حكام طرابلس، بغض النظر عن التهديدات بقطع العلاقات أو غيرها، خاصة وأن عائشة القذافي قد التزمت "الضوابط الصارمة" التي وضعتها السلطات الجزائرية على تحركاتها وتصريحاتها، بعد البلبلة الكبيرة التي تسببت فيها عندما دعت الشعب الليبي إلى الثورة على ضد المجلس الانتقالي والثأر من قاتلي والدها في 20 أكتوبر من العام الماضي.

وتدرك الجزائر وطرابلس حساسية هذا الملف، كلما انفجرت أحداث ومواجهات في الأراضي الليبية على الحدود مع الجزائر أو النيجر، وكما أن أحداث "الكفرة" وجهت كل الأنظار إلى النشاطات التي قد يكون وراءها الساعدي القذافي المتواجد بالنيجر، إلى درجة حدوث أزمة دبلوماسية بين ليبيا وهذا البلد، فإن الأحداث التي عرفتها في المقابل المناطق الليبية المتاخمة للجزائر لم تخل من اتهامات لفلول القذافي القادمين من الجزائر وبتمويل من عائلة "القذاذفة" المتواجدة بالجزائر .. ما يفسر حساسية الملف واستمراريته على هذا المستوى من علاقات "الريبة" والشك سيكون عبئا كبيرا على الطرفين.

الملف الأمني يجمع "الأضداد"

الملف الثاني الحساس والخطير، هو من دون شك الملف الأمني، بكل تداعياته الحاصلة داخل ليبيا وخارجها، قبل أيام فقط من انعقاد اجتماع بليبيا (11 و12مارس المقبل) يجمع وزراء داخلية ودفاع 7 دول مجاورة لليبيا، هي الجزائر ومصر وتونس والسودان والنيجر وتشاد، لدراسة كيفية مواجهة انتشار السلاح الليبي في المنطقة، والذي ظهرت دلائله بكل وضوح في الأزمة الحاصلة شمال مالي بين الحكومة المالية وحركة الأزواد التارقية ، وبداية وصول شرارة اللهب إلى الجزائر ذاتها رغم الإمكانات الكبيرة لمواجهتها كما حصل مؤخرا في التفجير الانتحاري بمدينة تمنراست.

كما ينتظر أن يكون موضوع تأمين الحدود البرية الطويلة (حوالي 980 كلم) بين البلدين من أهم الملفات التي ستناقش، وضبط عصابات الإرهاب والتهريب وتجارة البشر التي تزايد نشاطها في المدة الأخيرة مستغلة الفراغ الأمني في الجانب الليبي، وغياب سلطة الدولة، الأمر الذي أدى في الأسابيع الماضية إلى خطف والي ولاية إيليزي الجزائرية إلى داخل الأراضي الليبية، وهي سابقة لم تحدث من قبل على الإطلاق .

وكان السيد مراد مدلسي قد عبر في عدة مناسبات عن قلق الجزائر المتزايد من الأوضاع الأمنية غير المستقرة في ليبيا، نظرا للآثار المباشرة لتلك الأوضاع على الأمن والاستقرار في المنطقة كلها.

وقد بدأت منذ أسبوعين بسبب تلك الظروف الأمنية غير المستقرة، موجة نزوح كبيرة لآلاف من الجزائريين العاملين في ليبيا إلى بلدهم الجزائر، بعضهم عبر الطائرات، والبعض الآخر عبر الطرق البرية، وخاصة عبر معبر "الدبداب" بالجنوب، على بعد 1500 كلم عن العاصمة الجزائر، بينما ينتظر وصول سفينة ذهبت لذات الغرض إلى طرابلس وبنغازي لإجلاء المزيد من الجزائريين.

وبعد هل تفك العقدة؟

منطقيا، لا ينتظر من هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول جزائري إلى ليبيا الجديدة، أن تغير الكثير من الهواجس وحالات "التوجس" من هنا وهناك، لكنها مع ذلك تبقى فرصة جيدة على الأقل كما قال مدلسي "للاستماع إلى بعض" في محاولة لفهم أفضل للآخر، وبالتالي تمهيد الظروف لتجسيد زيارة مصطفى عبد الجليل التي أعلن عنها منذ مدة طويلة، لكنها لم تتحقق إلى الآن، بل لم تتحقق أي زيارة رفيعة المستوى من الجانب الليبي إلى الجزائر رغم كل الوعود التي أطلقت.

العقدة، بعد مرور أكثر من سنة على الثورة الليبية، لا بد أن تفك وأن ينظر الطرفان إلى المستقبل بدل اجترار الماضي، ففي النهاية ليبيا لن تتحرك من مكانها الجغرافي في شمال أفريقيا، والجزائر لن تتزحزح قيد أنملة في أن تكون الجارة الكبرى لليبيا، تماما مثلما أن اختلاف السياسيات والرؤى لن تغير من حقيقة الشعبين العربيين في ليبيا والجزائر، بأن تاريخهما واحد ومصيرهما مشترك.