الملك يروي تفاصيل ذلك اليوم .. عندما توفي الحسين

جراءة نيوز - اخبار الاردن -

 روى جلالة الملك عبدالله في تابه فرصتنا الأخيرة عن يوم وفاة الملك الحسين بن طلال وعن مراسم جنازته ' جنازة القرن' . 


في المستشفى امضينا الليل بطوله نتداور الوقبة بجانب سريره . لم يكن هناك سوى عائلته المباشرة : نور ، والدتي ، زوجتي ، اخوتي وأخواتي ، وبعض ابناء عمي .

في ساعة متأخرة من الليلة التالية ، والعائلة كانت لا تزال مجتمعة حوله ، طلب احد الاطباء ان يكلمني على حدة. قال لي إن السرطان انتشر في كل انحاء جسمه باسرع مما كان أحد يتوقع ، ولم يعد هناك ما يستطيع الطب أن يفعله ن غلبني الحزن ومررت لبضع ثوان فيما يشبه الانهيار ن ثم عدت إلى غرفته واخبرت العائلة بما قيل لي . ومعاً ودعنا رجلاً شجاعاً يعجز الكلام عن وصف قوة ارادته ، رجلاً احببناه ، احببناه كثيرا . 

قال الاطباء انهم يتوقعون أن ينتقل إلى رحمته تعالى تلك الليلة ولنه بقي على قيد الحياة حتى وقت متأخر من صباح اليوم التالي . طالما عرف عن والدي قوة قلبه. وظل هذا القلب المبير ينبض لم يتوقف الا بعد أن استسلمت بقية اعضاء جسمه .

حدد يوم الجنازة في اليوم التالي ، الثامن من شباط / فبراير من العام 1999 . كان يوماً غائماً وقد بدأ الرذاذ يتساقط خفيفا ، قال بعض الأردنيين انه ' حتى السماء تبكي الملك الحسين ' . لم يعرف اكثر الأردنيين ملكاً غير الحسي ومن هنا كانت وفاته حزنا وأسى شخصيين للمواطنين الذين شعر كل منهم بأنه فقد فرداً من أفراد عائلته لا فقط رأس الدولة . مئات آلاف المشيعين الذين اذهلهم غيابه غصت بهم شوارع العاصمة فيما كانت سيارة مدرعة تحمل الجثمان المجلل بالعلم الاردني والمحاط بأكاليل الزهر، إلى قصر رغدان حيث مثواه الأخير . كان المشيعون على طول الطريق ، ما إن يرون الجثمان يقترب منهم حتى يندفع نحوه منتحبين ومولولين ، ومحاولين التقاط لمحة من النعش او لمسه . وراء النعش كان يسير حرس الشرف ورجل يقود وراءه حصان والدي الأبيض ، المفضل لديه من بين احصنته . واحتراماً لذكرى والدي فإن احداً لم يركب الحصان ( واسمه عمرو ) بعد وفاته .

في باحة القصر كان جمعاً استثنائي من قادة العالم ينتظر لتقديم التعازي والتعبير عن الاحترام والتقدير . لقد جمعت الجنازة ، التي اطلق عليها احدهم ' جنازة القرن ' ، خليطاً من القادة العالميين الذين لا يجمع بينهم جامع ، والذين لم يحدث ان التقوا معهم من قبل في اي مناسبة عالمية . بعض القادة المعزين كانوا يخوضون حرباً الواحد ضد الاخر ، ومنهم من حاول قتل خصمه . لكن تقديرهم واحترامهم لوالدي جمعهاهم في جناته . حضر مراسم التشيع الرئيس المصري حسني مبارك ، ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز ، الرئيس السوري حافظ الاسد ن ولي العهد المغربي الامير محمد ، الرئيس ياسر عرفات ، وسيف الاسلام القذافي ابن القائد الليبي معمر القذافي . كان هناك ايضاً الرئيس الأمريكي كلينتون مصحوباً بالرؤساء السابقين جورج بوش الأب وجيمي كارتر وجرالد فورد، والرئيس الروسي بوريس يلتسن، والامير شارلز ، ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير . وكان هناك ايضاً رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وخالد مشعل ، الذي حاول نتنياهو اغتياله قبلئذ بأكثر من عام . في المجموع جاء إلى عمان لتقديم التعازي بوالدي والتعبير عن احترام بلادهم وتقديرها له ، قائدا ورجل سلام ، ممثلو خمس وسبعين دولة من نواحي الأرض الاربع . داخل القصر كان جثمان والدي مسجى يحيط به الحرس الملكي . وقف إلى جانب الجثمان حرس الشرف من الشراكسة ، الشعب المسلم الذي هاجر قسم منه إلى الاردن من القوقاز في القرن التاسع عشر . أخلص هؤلاء لوالدي على مدى عقود من الزمن ، وهاهم الأن يحرسون جثمانه في رحلته الأخيرة .