بين الصناعة والخدمات

لماذا يأتي ذكر أميركا كثيراً لتوضيح أو استشراف اتجاهات عامة؟ والجواب لأن ما يحدث في أميركا اليوم سوف يحدث في العالم غداً، وطالما أن أميركا في المقدمة، فإن من واجب الآخرين أن يستفيدوا من تجاربها ويستخلصوا الدروس ليس من نجاحاتها فقط بل من اخفاقاتها أيضاً، فالعاقل من اتعظ بغيره، ومن استعد من اليوم لما سيحدث غداً.

 تشكل الخدمات في أميركا ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمال ومع ذلك فلديها من الصناعات ما يضعها في المركز الأول (أو الثاني) عالمياً كقوة صناعية. ما يهمنا الآن أن إنتاج الصناعة الأميركية الآن يزيد بمقدار الثلث عما كان قبل جيل واحد، وأن عدد العاملين في الصناعة الأميركية يقل بمقدار الثلث عما كان عليه قبل جيل واحد. والتفسير هو زيادة الإنتاجية بسبب التحسينات التكنولوجية والإدارية المستمرة.

 النتيجة التي نخرج بها من هذه الحقائق ذات شقين: الأول أن تحسين الإنتاجية مهم، وأكثر جدوى من النمو الكمي بإضافة رأسمال وعماله ، فالإنتاجية العالية تعني إنتاجاً أكثر من نفس عوامل الإنتاج، أي رأس المال والعمل والأرض والإدارة. بالمناسبة فقد دخل على المعادلة مؤخراً عامل إنتاج خامس هو المعرفة التي تنقل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد معرفي.

 الشق الثاني هو أن خلق المزيد من الوظائف لا يتطلب التركيز على الصناعة التي تحاول من خلال تحسين الإنتاجية وإدخال الاقتصاد المعرفي أن تقلل عدد العاملين.

 خلق فرص العمل بعد الآن يعتمد بالدرجة الأولى على قطاع الخدمات: الصحة، التعليم، السياحة، الإعلام، الثقافة، الأمن، التنمية المدنية إلى آخره. ومن حسن الحظ أن قطاع الخدمات لا ينتظر قوانين تشجيع الاستثمار، بل يدفع الضرائب من اليوم الاول ولا يطالب بالدعم والإعفاءات والحوافز كما تفعل الصناعة والزراعة والإنشاءات.

 الاقتصاد الأردني اختار طريقه تلقائياً، وتحول إلى اقتصاد خدمات. وهو الآن في طريقه ليصبح اقتصادأً معرفياً، فهذا ما تفرضه ظروف الأردن الموضوعية، وكل الخطط الخمسية التي كانت تستهدف زيادة حصة الإنتاج المادي (زراعة، صناعة، إنشاءات) لم تنجح، وتحقق على الأرض عكس ما أراده المخططون.

 الاقتصاد الأردني عرف طريقه فلا تدسوا العصي في دواليبه!.