رحلة من بنين إلى ليبيا أملاً بالابحار نحو أوروبا

جراءة نيوز - اخبار الاردن -

يقف الياس قرب الجسر نفسه في العاصمة الليبية منذ شهرين، في يده هاتف نقال وفي جيبه صورة لاعب كرة قدم شهير، ينتظر الحصول على عمل يجني منه مالا يعينه لاحقا على الابحار نحو اوروبا.


يتسابق الياس (18 عاما) ذو البشرة السمراء على العمل يوميا مع عشرات اخرين ينتظرون توقف سيارة في المكان ليهرعوا اليها، في رحلة عمل قصيرة غالبا ما تتخللها حالات من الاساءات اللفظية والجسدية.
ويقول الياس الاتي من بنين والذي يتحدث الانكليزية والفرنسية بطلاقة «جئت الى هنا لاناضل من اجل مستقبلي، وعندما احصل على المال الكافي، ساذهب الى اوروبا».
ويضيف «البحر خطير، لكن عندما تاتي الفرصة، ساذهب. احيانا نعبر البحر وننجح، واحيانا نعبر البحر ونخسر».
وحال الياس في طرابلس كحال الاف اخرين، ياتون الى ليبيا التي تعصف بها الفوضى الامنية بفعل النزاع على السلطة فيها، ويعملون لاشهر حتى يتمكنوا من ادخار مبلغ يضعهم على متن مركب يبحر بهم بطريقة غير شرعية نحو السواحل الاوروبية القريبة.
ويواجه هؤلاء ما ان يصعدوا على متن المركب ثلاثة احتمالات، اولها القبض عليهم في البحر واعادتهم الى البر ليخسروا بذلك كل ما انفقوه ويعاودوا العمل لادخار المال، وثانيها ان يتم انقاذهم ونقلهم الى اوروبا، واخرها غرق المركب والموت في البحر. وفي طرابلس، يقيم الوافدون والراغبون بالهجرة في منازل وغرف صغيرة، ويجدون انفسهم في مواجهة ظروف معيشية قاسية، علما ان المهاجرين الذين تم القاء القبض عليهم وعددهم نحو سبعة الاف في ليبيا حاليا يعيشون في مراكز ايواء تواجه السلطات صعوبات في التعامل مع احتياجاتهم فيها. 
ويعيش الياس بحسب ما يقول مع ثلاثة اشخاص اخرين في غرفة صغيرة، يدفعون معا ايجارا شهريا من 150 دينارا (نحو 110 دولارات). 
ويوضح «انام على سرير صغير جدا، وهناك حمام واحد في الغرفة، احاول قدر المستطاع ان ابقيه نظيفا».
ويقول الياس الذي وضع على راسه قبعة بنية تقيه الشمس وارتدى قميصا رياضيا أصفر «عندما لا يكون هناك عمل، اجلس في الغرفة واستمع الى الموسيقى التي احب، وخصوصا الراب والار اند بي. احب كريس براون وتوباك».
 ويتابع «اشاهد ايضا مباريات كرة قدم على هاتفي. احب فريق تشلسي (الانكليزي)، ولاعبي المفضل هو (ديدييه) دروغبا (من ساحل العاج). صورته في جيبي دائما. كنت العب كرة القدم مع اصدقائي في بنين، لكنني لم اعد افعل ذلك هنا. اشتاق الى كرة القدم كثيرا، واشتاق الى اصدقائي اكثر».
ويتعرض العمال الاجانب وخصوصا الافارقة في ليبيا الى اساءات جسدية ولفظية، وقد تصل احيانا الى حد السرقة، والتهديد بالقتل، والاستغلال الجنسي. 
وتشير منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته الاثنين الى ان «اللاجئين والمهاجرين في انحاء ليبيا يواجهون خطر الاغتصاب والتعذيب والخطف من اجل فدية من قبل المهربين، وايضا الاستغلال من قبل الافراد الذين يقومون بتوظيفهم».
ويشرح الياس الذي ترك في بنين عائلته المؤلفة من ام واب واربعة اشقاء وشقيقتين بعدما عجز عن ايجاد عمل ان العمل في طرابلس حيث يجني 50 دينارا (نحو 36 دولار) في اليوم «يكون جيدا في بعض الاحيان، وسيئا في احيان اخرى. يدفعون في مناسبات، ولا يدفعون في مناسبات اخرى. الامر يرتبط بشخصية المرء. نحن كلنا بشر، لكننا لا نملك شخصية واحدة».
ويوضح انه تعرض للسرقة قبل اسبوعين حين اقتحم مسلحون الغرفة التي كان نائما فيها في غرب المدينة وقاموا بسرقة الهواتف النقالة والاموال العائدة له ولزملائه تحت تهديد السلاح.
ويقول «لا املك اية اموال حاليا. لقد سرقوا الثلاثة الاف دينار (نحو 2100 دولار) التي كنت قد ادخرتها. لكنني اعاود العمل من الصفر».
وياتي معظم المهاجرين الى ليبيا برا. ومنذ عهد معمر القذافي، لم يكن الليبيون قادرين على السيطرة على حدودهم التي يعبرها الاف الاشخاص القادمون خصوصا من جنوب الصحراء والحالمون بالهجرة الى اوروبا.
وتتقاسم ليبيا حدودا برية بطول حوالى خمسة الاف كيلومتر مع مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس.
واكبر تدفق للمهاجرين مصدره شمال النيجر حيث ينقل هؤلاء عبر شبكات من المهربين الذين يأتون بهم الى منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان اهم مناطق تجمع المهاجرين في جنوب ليبيا، في رحلة تحمل خطر الموت او التوقيف منذ لحظة دخولهم ليبيا.
ويقول الياس «امضيت ستة اشهر في الجزائر قبل ان آتي الى ليبيا. اجتزت الحدود مع اخرين في باص ليلا، ثم عبرنا الصحراء ووصلنا الى هنا. كانت رحلة قاسية. كل ما يمكنني قوله عنها هو ان الحياة صعبة فعلا، لكنها بسيطة في الوقت ذاته».
ويوضح «كل ما تراه عيناي هنا احفظه في ذهني، ولكن عندما اغادر الى حياة افضل، ربما في بلدي، لن اتذكر ايا من هذه الاشياء التي رايتها او مررت بها».
ويؤكد الياس «اريد ان اصبح رجلا غنيا في المستقبل ليس لدي فكرة كيف، ولكنني متفائل. قد ندرك ما يحمله يومنا لنا، لكننا لا يمكن ان نتبأ ابدا بما قد يحمله الغد. زمن المعجزات لم ينته بعد».