في عيد الأم
زمان ..حين كانت أمي على قيد الحياة , زجت بعض النسوة من جاراتنا في الحارة معلومات كاذبة في أذنها عني , وإحداهن قالت لها :- (إبنك سرسري بدخن) ...وهناك إمرأة بدينة , اخبرت أمي أيضا :- بأن البنات في الحارة لم يعدن يعبرن من الدرج المحاذي لمنزلنا , لأني ألقي على مسامعهن قصائد الغرام ...وذات يوم رميت برسالة لواحدة منهن ...
شكاوى متعددة , وصلت لأمي عني ...وأغرب تلك الشكاوى كانت من (أم العبد) حيث ادعت , بأنني أنا من اشعل الحاوية , في ليلة الجمعة الماضية ...مما حدا بالجيران لطلب الدفاع المدني , كونها كانت تحتوي على كميات هائلة من البلاستيك وأنا كنت , أخبرها بأن كل ما يقولونه كذب وهراء , والسبب هو أنني مجتهد وشاطر في المدرسة , بالمقابل (عبد) كسلان ...وأن هذا الهجوم الكاسح سببه غيرة الجارات من إجتهادي وتفوقي .
وأمي كانت تقتنع , بأني شاطر ومجتهد ...والحقيقة لم تكن كذلك فقد تورطت بغزليات مع بنات الحارة وأشعلت الحاوية , وأعطيت دروسا متقدمة في التدخين لكل مرتبات الجيران ...وأتذكر أني جمعت كل أصدقائي في الحارة يوما للذهاب إلى ستاد عمان كي نشاهد مباراة الوحدات والفيصلي , وجمعت منهم ثمن التذاكر قلت لهم إنتظروني هنا ...ساشتري التذاكر وأعود , ثم دخلت وتركتهم ..وأظنهم ما زالوا ينتظرون التذاكر .
الأم هي أكبر من أنثى واقرب لوطن , هي التي تجبر الخاطر , وهي التي تمرر عثراتك ...وهي التي تمسح عنك حزن الأيام وحزن الإخفاق ...ولكن حتى الأمهات في هذا الزمن طرأ عليهن التغيير , فهناك أم ديجتال ..مهتمة بدراسات (الجندر) وتحضر مؤتمرات متعلقة بتمثيل النساء في البرلمان , ومن الممكن أن تشارك في ورشة عمل حول إتفاقية (سيداو) , ومن الممكن أن تحضر عشاء يتخلله تقديم وجبات غريبة مثل ( بيف ستراغنوف) ..
وهناك أمهات ما زلن يؤمن بأن (قدحة الملوخية ) يجب (طشها ) على وجه الملوخيه , لحظة الغلي ....
لقد ولدت وسأموت , وأنا أرى وطني في عيون أمي فقط ...وأريده وطنا مثل أمهاتنا ينعم بالرضى , ويمرر لنا الأخطاء والعثرات , اريده وطنا لا يحاسبني إذا تأخرت في النوم ...وحين أمرض يقرأ على رأسي بعضا من الايات مثل أمي تماما , ووطنا أكبر من الحب وأكبر من الشمس ... لا أشعر فيه باليتم , ولا يموت ولايمرض ووطنا ...يحب فينا جنوننا , مثل أمي فقد ماتت وهي تعرف أني لم أولد مجنونا هي الأيام التي جننتني ...فهل تحتمل أوطاننا جنوننا مثلما احتملت أمهاتنا ؟