المجازر ضد سنة العراق
في الوقت الذي يقول فيه قادة الجيش العراقي إنهم يطاردون تنظيم داعش في المحافظات السنية، يستمر قائد فيلق القدس قاسم سليماني بقيادة عمليات الجيش العراقي الجديد ومليشيات الحشد الشيعي من ذوي العقلية الطائفية ليديروا عمليات التطهير ضد آلاف العائلات السنية بلا ذنب، فقط لأن قراهم وبلداتهم ومدنهم كانت تحت سيطرة التنظيم وكل ذلك يجري ولا تزال دولنا العربية السنية تخشى قول كلمة الحق لأولئك !
في واحد من لقاءات جلالة الملك الشعبية وأمام حشد من الشخصيات قال إنه طالب الأمريكان وقادة الدول الغربية والعربية بوضع إستراتيجية لحماية أبناء السنة في العراق، حيث وصف الوضع بدقة، هناك كردستان وهناك شيعستان في نظر الدول القوية التي تحاول حمايتهم، فأين « سنستان» ؟ ذلك ان نصف شعب العراق من العرب السنة دفعوا ثمنا باهضا بلا أدنى مسؤولية منذ احتلال العراق وسقوط حكم صدام حسين الذي لم يفرق بين سني وشيعي أمام أمن النظام.
اليوم من يريد مناقشة خطة خلاص لحماية المدنيين السنة في العراق عليه أن يتخلى عن اللياقة والدبلوماسية في الحديث عن تلك العصابات الإجرامية التي فهمت طريقة السيطرة على البلاد والعباد، إنه الإرهاب الدموي والتطهير العرقي والديني، فباتت بلادنا ترزح تحت سيوف الجزارين، الذين يرتكبون فظائع بشعة بحق الأبرياء الضعفاء لتخويف وتهجير وإخضاع بقية السكان في المناطق المسيطر عليها من قبلهم إذ لم يعد داعش وحده مصدر الإرهاب.
إذا تعاملنا بكل هذا الحذر والأدب السياسي والخطاب المتسامح مع أولئك المجرمين، إنهم يبتلعون المدن والمحافظات ويعتمدون سياسة الأرض المحروقة، فكم من الأحياء السكنية تم إحراقها على أيديهم، وكم من الضحايا الأبرياء تم قتلهم والتمثيل بجثثهم دون توثيق من أحد، لأنهم يسيطرون على وسائل الإعلام، ويمنعون أحدا من تصوير المشاهد البشعة، ما عدا قليل من التسجيلات الهاتفية التي تم تسريبها وكأنهم في حفل شيطاني بلا عقول ولا أحاسيس بشرية.
في مجتمعنا السني لا يزال هناك من يستغرب أو يستبعد مثل هكذا عقليات وتصرفات تتجاوز خيال الإنسان السوي، ولكن مهلا، فلنضرب مثلا حيا على ثقافات وسلوكيات الشعوب الأخرى، ففي كثير من دول شرق آسيا، يستمتع الناس هناك بأكل لحوم الكلاب، فيما تقدم مطاعم تعتبر راقية جدا وجبة «دماغ القرد»، حيث يطبخ رأس القرد حيا، ويقدم الرأس مفتوحا ويتناوله الزبون مباشرة، فيما رأيت شخصيا أحد أطباق مائدة الغداء في فندق «شيراتون بانكوك» وهو عبارة عن وجبة صراصير، أعتذر عن هذه الأمثلة التي تدعو للتقيؤ، ولكن ضربت مثلا، كيف أن هذا الأكل المحبب لدى بعض الناس يعتبر حسب طبيعتنا العربية السليمة مقرفا ومقززا وحيوانيا، لذلك فإن تربية أولئك المتطرفين الطائفيين استمرأت واعتادت قتل من لا يسجد لآلهتهم ويلطم ويطبر.
الأردن مثلا والذي طالما كان يعتبر نفسه بعيدا عن الطائفية وخطرها، بات خطر المليشيات والجيش الطائفي يوشك على التحرش به، فهم على تخوم حدوده الشمالية الغربية في ريف درعا الغربي، بعدما سمح النظام السوري باستيراد المقاتلين من بغداد وطهران لمقاتلة الثوار السنة، واعتمد على المليشيات الطائفية بارتكاب المجازر دفاعا عن كرسي عرش الطائفة، فيما البحرين لا تزال تعتمد على قوات الأشقاء لكبح جماح أحلاف إيران فيها، واليمن استسلم أهله جميعا لطائفة الحوثي وجيشه الذي سيطر رغم أنف العرب جميعا، والبصرة غير بعيدة عن الكويت والشاطئ الشرقي للسعودية يشكل خزانا شيعيا قد ينفجر في أي لحظة ليهدد أمن واستقرار الخليج برمته.
هذا الشرق العربي الذي بات ساحة للمجازر تحت بصر وصمت العالم لن يحلم بمستقبل جميل وآمن إذا بقيت حكوماتنا صامتة على السبب الرئيسي في ظهور ما يسمى بالتنظيمات الجهادية والتكفيرية، فكما ان تنظيم داعش إرهابي، فإن مليشيات الحشد الشعبي المدعوم سياسيا من واشنطن وعسكريا من طهران أكثر إرهابا من داعش، وإن كانت جبهة النصرة إرهابا، فإن حزب الله إرهابي أكبر من النصرة وإذا بقي تنظيم الحوثي حاكما بأمر طهران في اليمن، فإنه أكبر خطرا من القاعدة، وسيغرق الشرق العربي بحرب الطوائف والقوميات، وسيبقى العالم يتفرج على هذه الحلبة الدموية، فلا أحد معنيا بشعوبنا ولا بدمائنا، إن الدم العربي ليس أغلى من برميل نفط على طاولة المصالح الغربية والعالمية.
لهذا يجب وقف تمدد المليشيات وعلى الدول العربية أن تقوم بواجبها الأخلاقي والإنساني لحماية سنة العراق من التطهير الذي يواجهونه مرة أخرى بعد عشر سنوات سوداء من حكم الاحتلال الأجنبي للعراق والذي فتح باب جهنم على بلادنا العربية، لأن العرب جميعهم صمتوا عند الحرب على العراق واحتلاله وتنصيب العمامات المتطرفة حكاما فعليين عليه وتأجيره لإيران التي تفاوض به اليوم مقابل حل المسألة النووية معها.