اليمين المتشدد يحكم مجدداً
لم تسجل الانتخابات التي جرت في اسرائيل وأعلنت نتائجها الاولية امس، أية اختراقات سياسية تذكر، اذا استمر اليمين الاسرائيلي بقيادة نتانياهو في الهيمنة على صناعة القرار السياسي، وباستثناء ما حققته القوى السياسية العربية التي توحدت في كتلة مشتركة بالحصول على 13 مقعدا لاول مرة، فإن المشهد السياسي المتعلق بأبرز قضية في الشرق الاوسط والعالم، لم يطرأ عليه أي تغيير، ان لم يكن الأمر يسير نحو الاسوأ.
الاختراق الملفت للقوى السياسية العربية المهددة بالاقصاء والترحيل، انها حققت تقدما في حصتها داخل «الكنيست»، واصبحت القائمة العربية المشتركة، هي الكتلة السياسية الثالثة من حيث عدد المقاعد داخل «الكنيست»، وهذا يعني مزيدا من الحمل والاعباء على هذه الكتلة التي تمثل العرب، في مواجهة المتطرفين الاسرائيليين الذين حققوا نصرا ساحقا في هذه الانتخابات.
اذا نحن نستعد للتعامل مع حكومة يمينية اسرائيلية أكثر تشددا، رفعت شعارات متشددة تجاه الفلسطينيين خلال الحملات الانتخابية، رافقتها اجراءات انتقامية بحقهم، بحجب اموال الضرائب منذ نحو ثلاثة اشهر، والتضييق على القيادات الفلسطينية، ومناورات عسكرية في محيط مدن الضفة الغربية، واجراءات اخرى كثيرة.
لكن ما الذي ينبغي على العرب فعله، تجاه السياسات المتشددة للاسرائيليين خلال الفترة المقبلة، بذريعة انضمام السلطة الفلسطينية الى المحكمة الجنائية الدولية، واتفاقيات دولية اخرى، كانت محط رفض اسرائيلي اميركي منذ انشاء السلطة الفلسطينية قبل نحو عشرين عاما؟.
الحال العربي حاليا غير مستقر والتهديدات تحيط بالعرب من كل حدب وصوب، من القوى الاقليمية الطامعة بمد سطوتها وولايتها خارج حدودها، استغلالا للوضع العربي المتردي، فاذا كان العرب في اوج استقرارهم وتماسكهم لم يتمكنوا من مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، فهل يستطيعون مواجهته الان؟.
وفي ظل الخنق المبرمج للسلطة الفلسطينية وافشال المشروع السياسي الفلسطيني الذي أختير بضمانات من الولايات المتحدة واوروبا، كنتيجة لاتفاق اوسلو، يبدو حل الدولتين اليوم قد اصبح في حكم المنتهي عمليا، ولم يعد هناك من خيار سوى «الدولة الواحدة»، داخل حدود فلسطين التاريخية، وهو ما يعني ضمنيا اعادة الوضع عما كان عليه قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1993، ومنح الفلسطينيين في الضفة الغربية حقوقا انسانية وسياسية واجتماعية، وهو ما ترفضه اسرائيل جملة وتفصيلا.
ما يغيب عن اذهان الكثيرين، ان ما يحدث في المنطقة والعالم، ونشوء حركات التطرف والتشدد، استندت في تبريراتها الى الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، الذي عاني اطول احتلال في العصر الحديث، وعاني من اطول عملية سلام على مر العصور، اذا المبررات ما زالت موجودة لتفريخ مثل هذه الحركات، وسعيها الى نشر افكارها ومبادئها بين الاجيال الجديدة، رافعة شعار تحرير فلسطين، التي لم ينجح العرب المعتدلون في استعادتها سلميا من بين ايدي الصهاينة، الذين يدنسون مقدساتها ومساجدها وكنائسها كل يوم.
التشدد لن يكون من طرف واحد، فالمجتمع الاسرائيلي يجنح نحو التشدد والتطرف، وما وصول اليمين المتشدد واغتيال رابين نهاية التسعينيات من القرن الماضي، والحروب المتتالية على غزة ولبنان، الا دليل على نهج التشدد لدى الاسرائيليين، وايمانهم المطلق بان اسرائيل ستنتهي مع احلال السلام في المنطقة، لكن هذا ايضا، ما يدفع المجتمع الاسرائيلي الذي يتصف بالتعددية السياسية، للوصول الى حالة من اليأس والحيرة التي لا تُعرف نهاياتها؟.