لهذا هي حربنا
بالتأكيد ما زال بيننا من يقول: إن الحرب على الإرهاب ليست حربنا، وهو قول يتنافى مع الكثير من الحقائق التي على القائلين بأنها ليست حربنا أن ينتبهوا إليها وأول ذلك: أنه بالرغم من كل مظاهر التمزق والفرقة التي ابتلي بها واقعنا العربي، فإن الحقيقة الأكبر هي أننا ما زلنا نتأثر بكل ما يقع في هذه الأجزاء المبعثرة لوطننا العربي عموماً، وفي الهلال الخصيب على وجه الخصوص، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر وعلى سبيل التذكير:
هذه الأمواج المتدفقة من أهلنا في سوريا والعراق إلى بلدنا بسبب ما يجري فوق أرض سوريا والعراق من معارك وتفجيرات، وقتل على الهوية يمارسه الإرهابيون والتكفيريون، ألم ثؤثر هذه الأمواج البشرية السورية والعراقية على البنى التحتية في بلدنا؟.
*ألم يعد المواطن الأردني في ضيق من أمره أمام النقص في الخدمات الصحية بسبب مشاركة أخوتنا لنا في هذه الخدمات؟.
*ألا يعاني طلابنا في المدارس من الازدحام بسبب كثافة الوجود السوري في هذه المدارس، وما يعنيه ذلك كله من تدني مستوى التعليم؟.
*ألا يعاني شبابنا من زيادة في نسبة البطالة بسبب استحواذ أعداد متزايدة من ضيوفنا على فرص العمل التي صار يُحرم منها الشباب الأردني؟.
*ألا يشكل ذلك كله ضغطاً على اقتصادنا المرهق أساسأً؟.
*ألم تأت نسبة كبيرة من أخوتنا السوريين وقبلهم إخوتنا العراقيين إلى هنا بسبب الممارسات الإرهابية للتكفيريين، ومن ثم فإننا ندفع ثمن هذه الممارسات التي صار علينا أن نُسهم في إنهائها، ومن ثم فإن الحرب على الإرهاب هي حربنا.
وعلى ذكر ما يتعرض له أهلنا في سوريا والعراق والذي دفعهم للمجيء إلينا، علينا أن نستذكر ما فعله الإرهابيون التكفيريون بالمنجزات الحضارية للأمة في كل من سوريا والعراق، من حرق لعيون كتب التراث العربي والإسلامي، ومن هدم لمعالم تاريخية من بينها أضرحة ومقامات صحابة وأنبياء، ومن قبلها قلاع ومدارس ومعالم تاريخية وحضارية متنوعة. أوليس من واجبنا أن نشارك في إيقاف هذا العبث بتاريخ أمتنا وتراثنا وحضارتها؟ ليس لأنها جزء من ذاكرتنا التاريخية والحضارية فحسب، بل ولأننا كنا شركاء في صناعتها يوم كانت أمتنا موحدة فاعلة حاضرة وشاهدة على الناس.
وعلى ذكر الوحدة والحضور والشهود أيضاً، ألسنا نحن الذين نؤمن بأننا أبناء أمة واحدة يردد أبناؤها «بلاد العرب أوطاني» وإن هذا المعنى لا يتحقق إلا بالممارسات العملية كما كنا نفعل لسنوات خلت، عندما كنا لا نكتفي بمجرد الهتاف للجزائر، بل نتنافس بجمع التبرعات للجزائر، ولغيرها من أوطان الأمة عندما تتعرض لخطر. فكيف نصمت الآن وقلب الأمة في سوريا والعراق يكوى بنار الإرهاب والتكفير. وهي النار التي تقترب من حدودنا، فكيف لا نسارع إلى إطفائها قبل أن تدخل بيننا؟.
وإذا كان ما قد قلناه أعلاه لا يقنع البعض ممن لم يعد يؤمن بوحدة الأمة ووحدة مصيرها ويستسلم لواقع التجزئة والتقسيم، لهؤلاء نقول: إن التكفيريين وفي مقدمتهم «داعش» هم الذين بادروا. بالعدوان المباشر علينا في الأردن. فما زالت آثار تفجيرات فنادقنا في ذاكرتنا، وما زالت جراحها تنزف، وهم لم يكتفوا بذلك. فما زالت تهديداتهم تتوالى لنا سواء من خلال أدبياتهم التي يعلنون فيها عدم إيمانهم بالدولة الوطنية، وهذا يشمل الدولة الأردنية مثلما يعلنون أن دولتهم تتمدد ولا تتوقف، وبلدنا جزء من خرائط تمددهم المعلنة.
غير أدبياتهم فإن تسجيلاتهم التي ينشرونها تتوعدنا في الأردن. كذلك تفعل الاتصالات التي يتلقاها بعض أهلنا من هؤلاء التكفيريين الذين يتوعدون باقتحام بلدنا خلال أشهر، فهل نصمت عنهم ونقول: إنها ليست حربنا رغم أن الطرف الآخر يعلن الحرب علينا.
عديدة هي مظاهر الحرب التي أعلنها التكفيريون علينا، وفي مقدمتها هذا التضليل الذي يمارسونه لنفر من شبابنا الأردني، فيغسلون عقوله ويحولونه إلى أدوات تدمير لمجتمعه ولأمته، فيفجعون بذلك أسراً أردنية ملتاعة وحزينة على أبنائها الذين لا تعلم شيئاً عن بعضهم بينما لقي بعضهم مصرعه خارج وطنه، أفلا يحق لنا أن نحمي شبابنا ونسد باباً من أبواب حزن أسرنا الأردنية؟.
كثيرة هي الأسباب التي تجعل هذه الحرب حربنا، غير أن أولها وأهمها وأخطرها هي أن هؤلاء التكفيريين يخطفون إسلامنا ويشوهون صورته، ومعه صورتنا فقد صار كل واحد منا في نظر الآخرين إرهابياً متهماً، ويكفينا ما نعانيه في مطارات العالم من نظرات الشك التي تطاردنا بفعل الصورة المشوهة التي رسمها التكفيريون لنا كعرب وكمسلمين. وأخطر من ذلك فإن هؤلاء التكفيريين يكفروننا ويخرجوننا من الملّة، نحن أصحاب السماحة والوسطية والاعتدال الذين حضنا الإسلام منذ بداياته الأولى، وضمت أرضنا خيرة شهدائه ابتداءً من جعفر في أقصى الجنوب، وانتهاءً بمعاذ في أقصى الشمال. أفليس من حقنا أن ندافع عن إسلامنا؟ أوليست هذه الأسباب كافية لتكون هذه الحرب حربنا؟.