برك المياه في وادي الأردن تغرق 98 طفلاً خلال عشر سنوات

جراءة نيوز - اخبار الاردن -

تحولت معظم المسطحات المائية في وادي الأردن من مشاريع تنموية إلى مدعاة للقلق، و"مصائد موت" بحسب عدد من أهالي مناطق الأغوار ممن التقتهم "السبيل"؛ فالبرك الزراعية وقناة الملك عبد الله والسدود باتت "شراكاً وفخاخاً" منصوبة للأطفال، بدلا من اعتبارها شرياناً رئيسياً للحياة، باعتبار أن المياه أساس كل شيء حي.
وشهدت ليلة الجمعة- السبت الماضي حادث غرق 5 أشخاص من عائلة واحدة (إسلام/ 9 أعوام، وعبد الله/ 8 أعوام، والرضيع زيد، والأب الأربعيني، والأم الثلاثينية الحامل بجنين 6 أشهر)؛ إثر سقوط المركبة التي كانوا يستقلونها في مياه القناة، ليرتفع عدد حالات الغرق في قناة الملك عبد الله (الغور الشرقية) منذ مطلع هذا العام إلى 11 حالة.
وبحسب تقارير لجان السلامة العامة ومديرية دفاع مدني البلقاء، صنفت المسطحات المائية الأكثر خطورة في مناطق الأغوار حسب الآتي: قناة الملك عبد الله، تليها البرك الزراعية والسدود المائية، ثم مياه زرقاء ماعين والمياه الساخنة (الزارة الموجب- ماعين)، وتسببت بوفاة أكثر من 200 شخص، جلهم من الأطفال دون الـ15.
غير أن حوادث الغرق المتوالية كشفت أن "الاعتداءات التي تم ضبطها، وازالتها في مناطق وادي الاردن التابعة لسلطة وادي الاردن كانت سبباً في وقوع حوادث الغرق"؛ إذ أكدت وزارة المياه والري ضبطها أشخاصاً يعتدون على السياج، "ولكن نظرا لطول القناة التي تمتد لمسافة تزيد على 110 كم فإن تعاون المواطنين ضرورة لإنجاح هذا الجهد.
وتعاملت سلطة وادي الأردن مع 2785 اعتداء على قناة الملك عبد الله، وقامت بإعداد الضبوطات الخاصة بذلك وتغريم المخالفين الغرامات المالية المترتبة واحالتهم الى الجهات المختصة ليتم تطبيق احكام القانون.
غياب الأماكن الترفيهية
وعلى الرغم من إدراك معظم الضحايا مدى خطورة هذه المواقع، إلا أنها تبقى ملاذاً للترفيه في ظل عدم وجود بديل مناسب، خاصة خلال أشهر الصيف التي تدفعهم إلى البحث عن أماكن تجمع المياه للسباحة، وقضاء الأوقات الممتعة، متجاهلين التحذيرات المتكررة من خطورة السباحة فيها، إضافة إلى إدراكهم عدد حالات الغرق المتكررة.
وتفتقر الدوائر الرسمية إلى إحصائية مفصلة لحالات الغرق في الأغوار الوسطى، إلا أن سجلات مستشفى الشونة الجنوبية، ومستشفى الأميرة إيمان، وبيانات مديرية دفاع مدني البلقاء تشير إلى أن عدد الوفيات خلال العشر سنوات الماضية تجاوز المائة شخص.
في حين بلغت نسبة وفيات الأطفال نحو 70% إلى 60% منهم قضوا في البرك الزراعية وقناة الملك عبد الله والسدود المنتشرة في وادي الأردن، و40% في مياه البحر الميت ومياه زرقاء ماعين، في الوقت الذي تعدى فيه عدد الوفيات في الأغوار الشمالية المائة حالة.
الأطفال الأكثر غرقاً
ويشير عدد من أهالي بلدة الكرامة إلى أن الأطفال من سن 12 إلى 15 هم الأكثر عرضة لهذا "المسلسل التراجيدي"؛ لكونهم لا يجدون مكانا لقضاء أوقات فراغهم، سوى السباحة أو صيد الأسماك في قناة الملك عبد الله، او البرك الزراعية، أو سد الكرامة.
وأكد الأهالي خلو اللواء من أماكن ترفيهية أو حدائق عامة، باستثناء بعض الملاعب "غير المؤهلة"، موضحين أن الظروف المناخية للمنطقة تسهم في لجوء وهروب الشباب إلى المسطحات المائية؛ للتخفيف من حرارة ولهيب شمس الصيف.
إزالة السياج الحديدي
أحمد الرشايدة وأيمن التعمري لفتا إلى أن "السلطة وضعت سياجاً حديدياً على طرفي القناة، إلا أن المواطنين يقومون بإزالته وبيعه، وبعضهم يقوم بتمزيقه؛ إما للوصول إلى المياه واستخدامها للغسيل أو لري المواشي"؛ ما ترك القناة مكشوفة دون جدران حماية، موضحا أن مراقبي السلطة يقومون بجولات دورية ومتكررة على القناة.
ويطالب أهالي الأغوار الجهات المعنية بتوفير أماكن ترفيهية، تحفزهم على عدم التوجه إلى القناة أو البرك الزراعية والسباحة فيها، خاصة ان هذه الأماكن ما تزال شاهدة على فراق عدد من الأطفال والشباب الذين هربوا من حر الصيف بحثا عن البرودة والمتعة، إلا أنها كانت آخر لحظات حياتهم.
ضعف الإمكانيات المادية
وفي ظل غياب أماكن ترفيهية لأبناء هذه المناطق، يشير معظم رؤساء بلديات الوادي إلى "ضعف الإمكانيات المادية للبلديات"، في الوقت ذاته يلقون اللوم على سلطة وادي الأردن؛ لكونها صاحبة الولاية في الوادي الممتد من العدسية شمالا وحتى وادي عربه جنوبا.
وطالبوا سلطة وادي الأردن إياها والمجلس الأعلى للشباب بإقامة مشاريع ترفيهية، ومجمعات رياضية تشتمل ملاعب مختلفة، ومسابح للحد من حالات الغرق، ولإيجاد متنفس لأبناء الوادي.
98 وفاةً في عام
من جانبه، أفاد مدير دفاع مدني البلقاء العميد وليد الصعوب بأن عدد حوادث الغرق في لواءي دير علا والشونة الجنوبية ومنطقة البحر الميت، منذ عام 2003 ولغاية 2014، بلغت 255 حادث غرق، نتج عنها نحو 98 حالة وفاة، و195 إصابة.
ولفت إلى أن برامج التوعية والإرشاد الذي تقوم بها المديرية أثمرت عن انخفاض عدد حالات الغرق بعد عام 2010، خصوصا في منطقة البحر الميت، والتحذير من السباحة في الأماكن التي لا يوجد فيها منقذون.
وتشير إحصائيات الدفاع المدني في الأغوار الشمالية إلى أن أكثر من 102 حالة غرق قضت في المسطحات المائية (قناة الملك عبد الله، والبرك الزراعية) في الأغوار الشمالية خلال العشر سنوات الأخيرة.
وبين الصعوب أن معظم الأماكن التي تحدث فيها حالات غرق هي أماكن ممنوع السباحة فيها، مثل: مياه وبرك زرقاء ماعين، والمياه الساخنة، وقناة الملك عبدالله، والسدود، والبرك الزراعية.
المسؤولية الاجتماعية والبلدية
وشدد على ضرورة قيام الجهات المعنية كسلطة وادي الأردن، وهيئة المناطق التنموي، ووزارة الزراعة بالعمل على منع وصول المواطنين إلى هذه الأماكن التي تفتقد معظمها لشروط السلامة العامة.
ويضيف الصعوب أن العمل على الحد من حوادث الغرق يتطلب جهدا مشتركا من جميع المؤسسات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني والأهالي؛ من خلال عقد محاضرات توعوية ودورات إنقاذ لطلبة المدارس والمراكز الشبابية، والعمل على وضع أسيجة، وتزويدها بلوحات تحذيرية للتوعية من مخاطر السباحة فيها.
وأشار إلى أن عدد حوادث الغرق تزداد في فصلي الربيع والصيف مع ازدياد أعداد الزوار والمتنزهين إلى المنطقة، وارتفاع درجات الحرارة الذي يشكل حافزا لدى المواطنين لممارسة السباحة في شتى الأماكن، سواء كانت آمنة أم غير مراقبة.
ويؤكد الصعوب دور الأهل في الحد من حدوث مثل هذه الحوادث بمراقبة أبنائهم، ومنعهم من ارتياد هذه الأماكن، ودورهم الرئيس في توعية أبنائهم من مخاطر السباحة فيها، مضيفا أن هناك دورا كبيرا يلقى على عاتق البلديات في توفير متنفسات لهؤلاء الصبية من ملاعب ومسابح وحدائق تراعي شروط السلامة العامة.
عوائق أمام المنقذين
ويلفت إلى أن كل مكان من الأماكن التي تكثر فيها حوادث الغرق له خصوصية معينة، وصعوبات إنقاذ تختلف عن الأماكن الأخرى؛ "فالأوحال والطين والرواسب المتراكمة في السدود والبرك الزراعية تشكل العائق الأكبر أمام المنقدين"، خاصة مع انعدام الرؤية تحت الماء.
وقال إن عوائق الإنقاذ في المياه الجارية كمياه زرقاء ماعين "تتمثل في وعورة المنطقة، وصعوبة وصول وسائط النقل إليها؛ ما يدفع المنقذين إلى دخول هذه الأماكن مشيا على الأقدام، وهذا الأمر يتطلب ساعات للوصول إلى مكان الحادث".
صعوبة الوصول للشاطئ
ويوضح الصعوب أن المديرية وضعت برنامجا لإيجاد 4 نقاط غوص ساخنة للتعامل مع هذه الحوادث في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسياح كشاطئ البحر الميت، خاصة أوقات العطل؛ بحيث يتمكن الغطاسون من إنقاذ أي شخص بالسرعة الممكنة.
وأوضح أن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا في عمليات الإنقاذ في هذه المنطقة هو عدم وجود طرقات معبدة للوصول إلى الشاطئ؛ ما يؤخر من عمليات تقديم الإسعافات اللازمة للغرقى.
نقاط غوص ساخنة
وتشير سجلات دفاع مدني البلقاء إلى أن الأعوام: 2007 و2008 و2009 شهدت عددا مرتفعا لحالات الغرق مقارنة مع الأعوام السابقة؛ إذ تجاوز عدد حالات الغرق خلال عام 2008 نحو 28 حالة، نتج عنها 15 وفاة.
وللحد من هذا، تم استحداث أربع نقاط غوص ساخنة في محافظة البلقاء تم تعزيزها بكوادر بشرية مدربة ومعدات وآليات غوص، وباشرت بتقديم خدماتها منذ شهر نيسان 2008، حيث تتواجد في مناطق شاطئ عمان السياحي في البحر الميت وسد الكرامة والكفرين ووادي شعيب.
الرعاة يقصون الشبك
من جانبه، قال أمين عام سلطة وادي الأردن المهندس سعد أبو حمور إن الحكومة قامت بإنشاء عدد من المشاريع الاستراتيجية الهامة لتنمية وادي الأردن.
وأضاف: "وباعتبار مناطق وادي الاردن سلة غذاء لا للمملكة فحسب، وإنما على المستويين المحلي والإقليمي، فإنها أولت المشاريع المائية اهتماما كبيرا؛ فتم إنشاء قناة الملك عبد الله الممتدة من العدسية شمالا وحتى سويمة جنوبا وبطول 114 كم، إضافة إلى إقامة عدد من السدود".
ولفت إلى أن السلطة تدرك مدى خطورة هذه المشاريع في حال عدم مراعاة القوانين والأنظمة، وشروط السلامة العامة، "ولهذا قامت السلطة بوضع السياج والشيك حول القناة؛ لمنع دخول أي شخص باستثناء موظفي السلطة".
واستدرك بأن الأهالي وأصحاب المواشي يقومون بقص الشبك والوصول للقناة؛ بقصد الاستفادة منها، سواء لري المزروعات أم سقاية المواشي أم السباحة أم صيد الأسماك مع إدراكهم بحجم الخطورة.
وحول آلية منع الدخول إلى مياه وادي زرقاء- ماعين بعد تضاعف أعداد الوفيات غرقاً، أوضح أبو حمور أن السلطة بصدد البحث عن بدائل فنية لمنع دخول المواطنين إلى هذا الوادي؛ فستتم دراسة إنشاء بوابات حديدية وجدران استنادية على مدخل الوادي وصيانة الأسيجة لوضع حد لإصرار المواطنين على دخولها.
وأضاف: "سيتم حاليا التعاون مع إدارة الشرطة السياحية؛ للعمل على حراسة المكان، ومنع المواطنين من الدخول إليه لحين الانتهاء من إقامة البدائل السالف ذكرها".
مخاطر طبية للمياه
من جــانب آخر، تعتبر مياه الزارة الســاخنة الواقعــة على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، وهي امتداد لمياه ماعيــــن المعدنية "خطـــرة جدا على المرضى الذين يعانون من أمراض القلب وضغط الدم".
إذ يؤكد مدير مستشفى الشونــة الجنوبيــة الدكتور فايز الخرابشة أن معظم حالات الوفاة التي تحدث في المياه الساخنــة بسبب الأمراض التي ذكرت انفا، ونصح جميع مرضى القلب وممن يعانون من الأمراض الأخرى مثل "ضغط الدم" عدم السباحة في المياه الساخنة؛ حفاظا على سلامتهم.
ويؤكد مدير مستشفى الأميرة إيمان في دير علا الدكتور احمد الحوارات ان قناة الملك عبد الله والبرك الزراعية تشكل خطورة حقيقية على الأطفال والشباب الذين يرتادونها للسباحة، حيث سجلت السنوات الماضية عدة حالات غرق بين أبناء المنطقة.
وتابع أن "القناة بوضعها الحالي قد تتسبب بأمراض جلدية وفطرية للإنسان، كما أن معظم الأطفال غير متمكنين من السباحة بشكل جيد؛ مما يعرضهم لبلع كميات من هذه المياه؛ وبالتالي قد تسبب لهم أمراضا معوية خطيرة".
فيما دعا متصرف لواء الشونة الجنوبية نوفان عوجان، بصفته رئيسا للجنة الصحة والسلامة العامة المواطنين إلى ممارسة رياضة السبـاحة في الأماكن المخصصة لذلك؛ كونها أكثر أمانا.
وأشار إلى أن معظم حوادث الغرق تحدث في البرك الزراعية المستخدمة لري المزروعات؛ حيث إن بعض الأشخاص يقوم بالسباحة دون أن يدرك خطورة تعريض حياته لخطر الغرق؛ الأمر الذي يستدعي من أصحاب المزارع ضرورة وضع الأسلاك الشائكة حول هذه البرك، إلى جانب وضع الإشارات التحذيرية التي تمنع الاقتراب منها، كإجراء احترازي.