قصة بطل: عندما يصمد الشهيد أمام القتلة ويقهر الموت
جراءة نيوز - اخبار الاردن -
“الموت ولا المذلة”.. قول شعبي أردني، ذهب مثلا، طبقه بحذافيره، شهيدنا الطيار البطل معاذ الكساسبة، كيف لا، وهو الذي انتظر حتفه وهامته تطاول السحب.
فمعاذ، وصبره على مصابه، أنقذ أرواحنا، وألهم كبرياءنا، بقصة لن تموت من ذاكرتنا، بعد أن حفر الشهيد البطل، في قلوبنا صورة للبطل الحقيقي، الذي يواجه الموت بصدر مكشوف وهامة مرفوعة.
الفاجعة صفعتنا، وصبره وجلده وتحديه، لبطش ظالمه “جبر خواطرنا”، فهو الذي نظر لنار سجانه، الذي تحداه معاذ بلون عينيه، لأن “الموت واحد والرب واحد”.
كم شاعرا سيرثي الشهيد، وكم رواية ستستلهم قصة بطولتك، فشريط بطولتك سيروي لأجيال تحكي لأجيال، بأن الهامات الشامخة، لن يكسرها إرهاب أو تطرف أو غلو.
حرقوك بطلا يا بطلنا، وأنت حرقتهم بعاطفة الكره، التي ستشبع أفكار كل من مر به، شريط الإرهاب، حربا ومعركة، كتابا ودفتر، فردا وجماعة.
قل لهامتك يا معاذ، بأن قبلاتنا تلحقها، لنطال بعض شرف، أنت نلته كله، فأنت النسر المحلق حيا وميتا، فـ”الطيار” لم تكن مهنتك، بل هي فطرتك، تبحر أنت نحو السماء، والإرهاب يحفر خنادق خزيه وعاره، في جحور الأرض وبطونها.
أعرفت الفرق اليوم، بين بطل وجبان يا معاذ! فأنت من مارس البطولة بعفوية الفارس النبيل، والجبان ذلك الذي خانه عقله وقلبه عندما أمر لناره الخبيثة أن تشتعل بجسدك الطاهر.
أي موت هذا الذي سيضمك في سجلاته، وأنت من خلد سيرته، وسيرة ذويه وعشيرته، وبلده ومملكته، فكنت الحي حيا والحي ميتا، فالله خاطبك ومن في مرتبتك “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون”.
وهل استشهادك يا فلذة أكباد الأردنيين والأردنيات، جاء دون هذا السبيل، فالحرب على الدين، بلغت فتنتها، والإسفاف باسم الدين بلغ ذروته، وخروجك في سرب نسور سلاح الجو، هو الحرب للدفاع عن الإسلام، لا ضده.
متوالية الاستفهام تلحق رحيلك، فكل شيء إلى زوال، وسير رجالات الوطن الأخيار، ستظل الشاهد والشهيد على قصة وطن لم يبق بالصدفة، ولن يصمد بفضل جَميل سوى جَميل ابنائه وفضلهم.
يا لغباء إرهابهم، فهم أهدونا باستشهادك الشرعية للحرب والمعركة، ودفعونا لشراء سيف ومدفع، ويذكرونا بأن قتالهم باسم الدين هو الجهاد الأكبر، الذي فيه لا نضحي بالأرواح وحسب، بل نضحي بزينة الحياة الدنيا، البنون يا ابن الأردن. هل حرقوك بنارهم؟ لا تتأثر، فأنت حرقتهم بـ”مشية” العسكري، فقد تجولت في ساحاتهم، ودخلت إلى حتفك كأسد، عائد من الغارة، يعرف أن الموت أمامه، فاختار أن يستقبله بصدره، لا أن يختبئ منه بظهره.
هم لم يقتلوك فينا، هم قتلوا كل حي فيهم، يهيم بجهله خرابا ودمارا في الأرض، يخالفون أوامر ربهم، ويخوضون حربهم باسم دين هو منهم براء.
“ليس بعد الكفر ذنب”، أتذكر يا معاذ! كلام عام قرأناه في زوايا الكتب وأغلفتها، هم كذلك، فليس بعد كفرهم ذنب، وعندها فقط يحق لنا أن نستعيد قولا قرأناه في ذات الكتاب “العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”.
نسعى لخير الأرض فيقتلوننا، ويسعون لخراب الديار وتشريد أهلها، ويقتلوننا، من متى صارت البلاد حكرا على طائفة، ومنذ متى صار فرض الدين عنوة، أنغتال تاريخنا بأيدينا، فأين أفعالهم من قرآن تعلمناه، وسيرة نبي عربي هاشمي تبعناه!.
التعجب ليس في استشهادك، فالخيارات كانت بالنسبة لنا نصر من نصرين، إما عودتك بطلا، وإما استشهادك بطلا، وفي الحالتين أنت بطل، تكوّن جسده من جينات أجداده، وأبناء عمومته، وصفي التل وفراس العجلوني وموفق السلطي وهزاع المجالي، والكثير الكثير من جيوش الشهداء نظرائك، لكن التعجب من بشاعتهم.
معاذ البطل، يا صبرنا يا وجعنا يا قهرنا، نبكيك لأننا لسنا مثلك، ونرثيك لأنك سبقتنا، وسنلحقك علنا حظينا بشفاعتك.