نحو تربية وطنية تجاري التطور المتسارع

جراءة نيوز - اخبار الاردن -د

تطور متسارع في جميع نظم الحياة في العالم وموجات إرهاب وتخوين وتشكيك وعنف دموي وقتل على الهوية تجتاح العالم عموما والوطن العربي خصوصا تجعل العاقل يدرك ان الحلول تكمن بالتوجه نحو الداخل ؛ توجه للتطوير وتوسيع هامش المشاركة توجه يحاكي الحداثة ويبتعد عن الانطوائية فخطر الانغلاق تماما كخطر الذوبان فكلاهما يهمش الشخصية الوطنية ويقضي على الابداع ويحارب روح الأمة وروح الوطن .
إن مضامين التوعية الأمنية تبرز الحاجة لصهر مفاهيم الولاء والانتماء والمواطنة ضمن حاضنة ثقافية وطنية تتمثل في المؤسسات التعليمية والاعلام والثقافة فالوعي الامني يبرز الحاجة لتعظيم هيبة الدولة وتعميق الشعور الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية على أن هذا لايستقيم إلا إذا كان هناك قوانين تحفظ الاستقرار للنظام السياسي وتعمل على ديمومته . 
فالمواطنة كما عرفها قاموس علم الاجتماع ' علاقة قائمة بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي ' أي أنها علاقة ثنائية بين نظام وشخص يسير وفقه .أما الوطنية فهي تعبير الفرد وإخلاصه لوطنه وهذا لا يكون إلا بالإنتماء للأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ ومشاركة ابناء الوطن همومه وتطلعاته .
ويخطىء من يعتقد أن الأمن عبارة عن غاية بل هو أسلوب أو وسيلة نصل بها إلى تبني الأهداف الإنسانية في الحرية والمساواة والاحترام ...., وعن طريق التربية الوطنية يصبح المواطن شريكا مع دولته في البناء وتتقلص سلطة الدولة في أن تمارس وصايتها على مواطنيها ؛ لان من حق المواطن أن يثبت رشده ويصبح شريكا في البناء فما زال كثير من الدول التي تقبع في ذيل الرجعية والتخلف تواصل الوصاية على مواطنيها ولا تسمح لهم بالتفكير وتمنعهم من البناء .وبالمواطنة وحدها تبنى منظومة الأمن ويبنى المجتمع المدني الذي يقف خلف دولته داعما منافحا بل وفخورا بما تتبناه من سياسات. 
إن المغالاة في التطرف أمام تعدد حواضن الإرهاب وتنوع وسائله يظهر دور التربية الوطنية في الحد من الافكار المتطرفة التي باتت تتشعب وتتداخل حيث أصبح القتل على الهوية وتوجه كثير من الشباب للتعبير عن الرأي بمزيد من العنف بل وتوجه البعض منهم لمهاجمة استقرار الجماعة الحاكمة أشخاصا ومؤسسات تارة بالتشكيك والتخوين ورمي التهم جزافا تارة أخرى فاتسعت الهوة بينهما مما ينذر بمزيد من الأزمات والتقاطعات التي تعرقل المسيرة الوطنية في الدول التي لاتتنبه لذلك. 
يقول جاك دينيس وزميله ديفيد ايستون إن الطفل في سنواته الاولى ينظر الى رئيس الدولة على أنه حامي الأمة والصائب في احكامه وقراراته وأكثر شخص مؤهل للقيادة ثم يضمحل هذا الشعور كلما كبر الصغير في السن وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية في اعادة تعزيز هذا الشعور ففي غزوة مؤتة حافظ جعفر بن ابي طالب على الراية خفاقة رغم بتر يده وفي اليابان يعتبر انقاذ العلم من الوقوع أمرا يعادل الروح . 
إن الهدف الرئيس من الاهتمام بالتربية الوطنية هو تنمية الوعي بإعلاء سيادة واستقلال الوطن وتنميته وازدهاره وهذا الأمر لا يتأتى بالتمنيات بل الحاجة ملحة لمنهاج وطني يُعنى بالتربية الوطنية بتجريدها من ثوبها التاريخي الذي قتل روح الإبداع فيها فالتاريخ مهم لكن الحاضر أهم والمستقبل طموح مشروع ومن المهم التنبيه على ان مكان دراسة التاريخ هو كتب التاريخ أما التربية الوطنية فقد أصبحت علما مستقلا يستند على التاريخ لكنه لايسير بركبه بل هو علم يهتم بالسلوك والعادات والتقاليد والادارة وحقوق الانسان. وهنا تكمن أهمية إعادة الألق لمناهج التربية الوطنية تلك المناهج التي اعتادت سرد التاريخ فقط دون أن يكون لها الأثر في تغيير السلوك نحو الإيجابية , ويقع على عاتق الجامعات الدور الأكبر في قيادة مؤسسات الوطن وفي إحداث التغيير السياسي والاجتماعي فهي مصنع الافكار ومعمل البناء .
وكلما أخفقت الدولة في القيام بواجباتها تجاه بناء منظومة وطنية تعنى بالثقافة الوطنية وبناء وطنية راسخة متجذرة كلما أصبح البديل اكثر نزوعا نحو الخارج ونحو الافكار الدخيلة والمستوردة وعندما تتمدد الدولة وتقوم بأدوار عديدة غير دورها في تسيير الأعمال اليومية والروتينية تصبح باقي القوى هامشية لأن الثقة تتعزز ويتجه المواطن للعمل من داخل المنظومة وليس العمل على تغيير المنظومة .
أما الدول السلطوية - بقصد أو دون قصد - تتلاشى فيها قيم المواطنة لانها تقوم على كيان وهمي يتعلق بالخوف والرهبة بديلا عن القناعة والرضا فتتجذر النقمة من جيل الى جيل لذا تنزع شعوبها للثورة وتكون ثوراتها – كما حدث في كثير من دول الربيع العربي – دموية فوضوية يختلط فيها الوطني مع القومي مع الجشع والطمع فتحدث الفوضى التي تستمر سنوات وتكون مدعاة لحدوث الانقسام المجتمعي .
المواطنة لاترتقي الا في مجتمع مدني يحترم الحريات ولا يقيدها ؛ مجتمع يُعنى بالعدالة الاجتماعية يراقب توجهات المجتمع ويوجهها نحو الايجابية لا أن يُشرع القوانين التي تحد من الحريات وتكبح جماح التطور .
فالثورات لم تنشأ من فراغ ولا تحدث فجأة ولايميل شعب أو جماعة للثورة إلا اذا تعددت الولاءات وانتُزع الولاء للوطن او أصبح ولاءً ديكوريا فقط .
بالمواطنة يَرشُدُ الحكم وتصلُحُ آلياته ويصلح الدستور وتحترم مواده ويطاع القانون ويتجذر احترامه فالمواطنة من الشعب مهمة لكنها من الحاكم أشد أهمية لانها العطاء في أبهى صوره ولأنها دليل على فهم معنى الدولة والدستور.فالاوطان ليست جزر معزولة عن العالم وصراعاته كما لايخلو مجتمع من وجود جماعة طامعة وتنتظر النزاع الداخلي كي تحقق اطماعها فالمجتمعات تحولت من بسيطة الى مركبة معقدة والدعوات الاخلاقية والوطنية ليست كافية لانصهار الجميع في بوتقة واحدة ولابد لذلك من منهج قويم سليم يضع الخطط ويراقب تنفيذها لتعزيز المواطنة والهوية وتجذيرها . 
• jamal.tamimi@yahoo.com