الملكة رانيا : التطوع لفعل الخير أسلوب حياة ووصفة تميز
عالم مختلف بكل تفاصيله.. فهو أقرب الى المثالية المطلقة، عندما خرج أكثر من تسعة آلاف شاب وشابة من ظروف وبيئات مختلفة، ليلتقوا عند حلم واحد هو خدمة الوطن بكل ما يملكون من طاقات ودون أي مقابل.. بأعمال تطوعية أسست لحالة نادرة من العمل التطوعي دفعت لتعزيز ثقافة التطوّع والعطاء دون حدود.
شباب «متطوعو الاردن» أنشؤوا روحا جديدة لأنفسهم ولكل من يقدمون لهم خدماتهم، روحا تعي الحياة وعيا مختلفا، يخرجها من الاغراق في الابجديات النظرية نحو أداء عملي حقيقي، وتقود نحو العمل الذي يهدف لشيء واحد وهو اسعاد الغير، وبناء الوطن ضمن اقل الامكانيات بطاقة شباب اردني يعيش للاردن فقط.
أمس كان مختلفا لشباب «متطوعو الاردن»، كونه خطّ سطورا جديدة في قصة عطائهم، حيث شاركتهم جلالة الملكة رانيا العبدالله جانبا من نقاشات ملتقاهم الاول، مستمعة جلالتها لما قدمه الشباب من نهج مختلف في العطاء الوطني بسخاء شبابي نادر.
وفي التفاصيل، فقد شاركت جلالة الملكة رانيا العبدالله أمس في المركز الثقافي الملكي نحو (150) شابا وفتاة من فريق «متطوعو الاردن» جانبا من نقاشات ملتقاهم الاول لرسم رؤية عملهم للعام المقبل، واستمعت الى عدد من قصص تطوعهم منذ انطلاقتهم في شهر آب عام 2009 وحتى نهاية هذا العام.
واعربت جلالتها عن سعادتها بتواجدها مع أشخاص يخدمون بلدهم بأثمن ما عندهم، بالوقت والجهد.
وقالت: «التطوع لفعل الخير هو أسلوب حياة ووصفة تميز أشخاص عن آخرين، وأنتم القدوة والمفخرة بعملكم التطوعي».
واضافت جلالتها: «لا أحد يستطيع تعليم الآخر كيف يحس بالمسؤولية، أو يزرع فيه الرغبة للعطاء، لكن إن وجدت النية فيمكن البناء عليها».
وفي نهاية حديثها شكرت جلالتها كل مشارك من المتطوعين ممن رسم حدوده خارج نطاق نفسه، ومن استثمر وقته وجهده في تحسين أوضاع غيره واعتبرها مسؤوليته.
بدوره قال طالب الطب في الجامعة الهاشمية محمد جبر، وهو أحد مؤسسي الفريق «نحن مجموعة تطوعية تهتم بنشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع الاردني واستثمار طاقات الشباب عن طريق التبرع بالوقت والجهد».
واضاف انه تم تسجيل «متطوعو الاردن» رسميا كمؤسسة غير ربحية باسم «تكافل للاعمال التطوعية» بهدف ايجاد مظلة مؤسسية يعمل من خلالها لتحقيق اهدافه في تجذير وتعزيز العمل التطوعي في المجتمعات المحلية».
وتحدث متطوعون ومتطوعات عن اطلاق البعض لمبادرات مثل (شباب والخير بدمنا) ومبادرة (نادي تفاؤل للاعمال التطوعية) ومبادرة (طرود الخير) ومبادرة (بادر انت قادر)، وكيف غير فريق «متطوعو الأردن» في حياة مستفيدين إيجابيا. كما تحدثوا عن اثر مبادراتهم التطوعية على معنوياتهم.
وحملت تجارب المتطوعين والمتطوعات نماذج الحب وقيم التكافل التي يؤمنون بها وكيف ينظرون الى العمل التطوعي على انه خدمة للذات قبل ان يكون خدمة للمجتمع، وان سعادة الفرد تكتمل عندما يدخل الانسان السعادة لحياة الاخرين.
وتحدث متطوعون من محافظات الزرقاء والكرك واربد وعمان عن تبادل الخبرات التطوعية بين اعضاء الفريق ونقلها لمناطقهم والبدء بانشطة تطوعية فيها.
وفي مستهل الجلسة شاهدت جلالتها فيلما وثائقيا سجل جانبا من الانشطة التي قام بها فريق المتطوعين لمختلف الفئات المستهدفة.
وكان الملتقى قد ناقش في بداية جلساته عدة محاور تمثلت في الريادة الاجتماعية وطرق تنمية مهارات القيادة والعمل الجماعي وتنظيم الانشطة التطوعية، بالاضافة الى وضع مقترحات لاهداف عمل المتطوعين خلال العام المقبل.
الشباب يتحدثون
انطلق كل واحد منهم من فلسفة خاصة به، لكنهم اجتمعوا على حقيقة واحدة هي أن «لا وقت لك إلاّ ساعته» فسعوا جاهدين لتحقيق الافضل وكأن الوقت متوقف عند كل عمل يقومون به، فكان الانجاز كبيرا وقصص عطائهم لا وجود فيها الا للغير.
قصص كثيرة عن عطائهم تحدثوا عنها امام جلالة الملكة، التقطت «الدستور» عددا منها، لتبدو الصورة متعددة الالوان وليست لونا واحدا تحكي الكثير من المفاصل الابداعية، فاصبحوا يملكون ثقافة العمل التطوعي بجدارة.
رأينا أن تكون البداية بقصة أصغر المتطوعين والمتطوعات سناً، الطفلة علا العمري، التي تحدثت بلغة بيضاء صافية عن تجربتها، فقالت ان العمل التطوعي غيّر تفاصيل كثيرة في حياتها، حيث تعرفت على هذا الفريق بداية العام الحالي باحدى المناسبات العامة، وجذبها طريقة عملهم وبدأت بالفعل تتجول معهم في كل المناطق التي يزورونها.
تقول علا «في اول زيارة لي لمركز ايتام شعرت بحالة من الفرح غير المسبوقة، وشعرت عندها اني اعيش وسط اسرة جديدة لي، وانهم اصدقاء جدد دخلوا حياتي.. اما في اول زيارة لدار مسنين فشعرت كم المسافة بعيدة بيني وبينهم نظرا للفارق الكبير في العمر، لكن سرعان ما سعدت باللحظات التي زرتهم بها، ولا انكر اني شعرت بالخوف للوهلة الاولى خوفا عليهم ومنهم ومن قابليتهم لي، ولكني بالفعل تجاوزت تلك المشاعر بفرحة اللحظة».
وتضيف «عند زيارتي الاولى لاحد مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة شعرت بداية بخوف لكن ما من شك ان التعامل معهم من اجمل ما قمت به في حياتي، وتحدثت معهم وكان لي اصدقاء كثر منهم، فكل ما بالامر ان العمل التطوعي بحاجة الى روح انسانية طيبة بريئة لا تريد سوى اسعاد الغير».
محمد جبر اكد من جانبه ان فكرة عملهم انطلقت من حب الوطن واسعاد الغير، وترك كل تفاصيل الحياة غير الايجابية لعمل يملأ وقت الشباب ويومهم بما هو جميل وفيه مصلحة المواطن والوطن، «لا سيما اننا نتعامل مع فئات هي بأمس الحاجة لمن يدفعها نحو الابتسامة والفرح».
وقال احد مؤسسي الفريق، وهو طالب الطب في الجامعة الهاشمية معتصم مسالمة «ان الفريق استطاع ان ينظم منذ انطلاقه وحتى هذا الشهر أكثر من 121 نشاطا، شارك فيها 9000 متطوع وتعامل مع فئات من المسنين، والايتام، والاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومرضى السرطان، بالاضافة الى مساعدة بعض الجمعيات بانشطتها».
واتفق مع محمد بذات المفاهيم الانسانية التي تدفع باتجاه ان يكون العمل التطوعي اساسا لحياة الشباب، دون النظر لاي مكاسب سوى رؤية سعادة مريض او يتيم او مسن، «فهذا اهم من اي مكاسب اخرى».
اما حنان شقير التي بدأت حديثها بآيات قرآنية تحض على عمل الخير والحفاظ على الامانة، فقد أكدت من جانبها ان العمل التطوعي جعلها تعيش جنة الدنيا قبل جنة الاخرة، من خلال الاعمال التي تقوم بها والتي تتركز بالغالب يوم السبت ليصبح هذا اليوم هو الافضل بين ايام الاسبوع لما تشعر به من حالة مختلفة من الفرح والعطاء جعلتها تفضل هذا النوع من الحياة على اي واجبات جامعية او دراسية.
وقالت حنان «الله يرحم الرحماء، وبالتالي فان اي عمل تطوعي يهدف لتقديم الافضل لاي محتاج من افضل ما يمكن ان يقدمه المرء لاخرته، فهي الطريق الامثل لنقدم الافضل في سجل حسناتنا».
أسل غانم اتخذت من والدها الكلمة الاولى في قصتها، وقالت «لقد تفتحت عيناني على رؤية والدي الطبيب وهو يعالج الكثير من المواطنين في احدى مناطاق عمان الشرقية دون ان يأخذ منهم اي اجر، ولعل هذه الصورة استمرت في ذهني الى ان تمكنت من القيام ولو بجزء يسير من الامور التي قدمها والدي، فسعيت لتأسيس خطوات لي في العمل التطوعي».
وأضافت «ان العمل التطوعي الذي اسس له جلالة الملك عبد الله الثاني وجلالة الملكة من خلال عدة دروس تعلمناها كشباب من جلالتيهما، كانت البداية ان نكون الافضل ونقدم الافضل في هذا المجال، ونسعى ان نخدم الوطن وكل مواطن محتاج».
اما زياد مسالمة فقال من جانبه «كان مفهومي للعمل التطوعي خاطئا وكنت كلما طلب مني ان اقوم بعمل تطوعي ارفض ظنا مني اني سأضطر لدفع بعض المال، فأخاف من المجازفة والاقدام على مثل هذه الامور».
«اما اليوم - يضيف مسالمة - فقد تغير الحال بعدما اصبحت اعي جيدا اهمية العمل التطوعي وضرورة ان يلجأ له الشباب كافة، ليس فقط لتغير نمط حياتهم بل ايضا لملء اوقاتهم بامور ايجابية، وكذلك للحصول على اجمل مكافأة على اي جهد وهي ابتسامة محتاج او مريض، او دعاء من احد المسنين، فتلك حالة مختلفة انصح كل الشباب ان يستمتعوا بها».